المعركة الانتخابية الساخنة تحولت من حوارات الفضائيات ومن ندوات ولقاءات المرشحين إلي منابر المساجد ووصل الأمر إلي دعوة بين الخطباء للمصلين لانتخاب مرشح معين وتحريم التصويت لمنافسه لدرجة أن بعض المعارضين نسوا أحياناً انهم داخل المسجد وتحولت صلاة الجمعة إلي معركة!! وفتحت هذه الأحداث ملف استغلال الدين في السياسة والدعاية الانتخابية كما حدث مثلا عندما ادعي القائد الفرنسي نابليون بونابرت ومساعده الجنرال مينو في القرن الثامن عشر انهما أشهرا إسلامهما حتي يقنعا المصريين بقبول الاحتلال الفرنسي لمصر. كما استغل الأمريكيون الدين في صراعهم مع الاتحاد السوفيتي عندما احتل السوفيت أفغانستان ورفع الامريكيون شعار الجهاد ضد “الروس الملحدين” حتي يشاركوا في الحرب ضدهم. وبالنسبة للانتخابات المصرية الأخيرة.. دخل علي الخط بعض العلماء العرب.. كما حدث من فتوي الشيخ السعودي ناصر البراك بعدم جواز انتخاب أحد المرشحين المصريين لأنه من الفلول. وفي مصر زادت سخونة استغلال سلاح الفتوي بعد الجولة الأولي.. وشهدت بعض المساجد حرباً للفتوي بين مؤيدي د.محمد مرسي والفريق أحمد شفيق! المساجد.. تجمع المسلمين ولا تفرقهم يؤكد د.سالم عبدالجليل وكيل أول وزارة الأوقاف أن المؤسسة الدينية في مصر هي مؤسسة وطنية لا تنتمي لحزب أو تيار بل هي تقف من جميع التيارات موقف الناصح وائمتنا في المساجد أئمة لكل المصلين بكل انتماءاتهم وتوجهاتهم. وإذا كان من حق الامام ان ينتمي لأي تيار أو ان يتبني أي موقف سياسي إلا أنه لا يجوز له ان يدعو إلي حزبه أو تياره من خلال المنبر. ولا يجوز له أن يجعل من منبر المسجد بوقاً لدعاية سياسية. أضاف: ان الزج بقضية التكفير والتحريم في اختيار مرشح دون غيره أمر لا نقره وأرجو من اخواني الائمة ان يقوموا بدعوة الناس إلي اختيار القوي الأمين والاصلح الذي يستطيع ان يحقق أهداف الثورة دون ان يذكر اسم من يرشحه.. وأشار إلي أنه صدرت عدة منشورات تحث الأئمة علي الالتزام بهذا المبدأ. وأكد ان المساجد بيوت الله لكل المسلمين علي اختلاف توجهاتهم تجمع المسلمين ولا تفرقهم احزاباً وشيعاً.. والمؤسسة الدينية لجميع ابناء الوطن لا يمكن حصرها في فكر طائفة أو توجه حزب. وعلينا أن نعلي من قيمة الحرية واحترام المخالف مهما كانت درجة الاختلاف. كما ان علينا ان نلجأ إلي الله سبحانه وتعالي ونجأر إليه بالدعاء أن يول أمورنا خيارنا. الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ويقول الدكتور عبدالفتاح عاشور استاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الازهر: هناك قانون يمنع استغلال المساجد في الدعاية الانتخابية وبالتالي لابد من الالتزام بهذا القانون حتي لا تكون المساجد مكاناً لاختلاف الناس وايقاع الفتنة بينهم فالامام يمثل نفسه باختياره لمن يشاء بينما في المسجد أناس لكل منهم الحق في ان يختار من يري فيه الكفاءة وليس من حق إنسان ان يصادر علي اختياره وبالتالي فهذا الامام بمناصرته لمرشح معين اخطأ في حق نفسه وحق دينه واضفي علي احد المرشحين صبغة دينية وكأنه ينتزعها من المرشح الآخر وهذا خطأ في الرأي وخطر في التصرف يؤدي إلي ما لا تحمد عقباه. وعلي الجهات المسئولة ان تحاسب هذا الامام وأن تلفت نظره إلي ان مساجدنا ليست مكانا للدعاية الانتخابية إنما هي أماكن لعبادة الله والدعوة إلي الخير وجمع قلوب الأمة علي المحبة والصفاء والقاعدة التي يجب ان تسود أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية. فكل واحد من حقه اختيار من يشاء دون ضغط أو املاء من أحد وعلي الآخر الذي يخالفه في اختياره ألا يجعل هذا سببا للعداوة والتباغض فهذا ليس من شأن العقلاء ولا هو من شأن الأمم المتحضرة فضلا عن أن تكون هذه الأمة هي أمة الإسلام. وأشار إلي أن دعوي تكفير الناس دعوي بغير دليل والقاعدة المعروفة ان من صلي إلي قبلتنا وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وذبح علي الطريقة الإسلامية فهو مؤمن لا يجوز لأحد ان يخرجه عن الملة.. أما الذين يكفرون من لم يعط صوته لمرشح يصفونه بأنه يمثل الإسلام والمسلمين يخطئون كل الخطأ لأن هذا يعني ان المرشح الآخر ليس بمسلم ولا مؤمن وهذا أمر بالغ الخطورة بأنه تكفير للناس بلا دليل ولا بينة فليتق الله هؤلاء الائمة وليكفوا عن هذا الهراء وأن يتركوا الناس تختار من تشاء. جهل بأفكار الإسلام ويري الدكتور عبدالحي عزب استاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أن الايمان علاقة بين الإنسان وربه وليس من حق المسلم ان يحكم بالكفر علي شخص مسلم مادام يشهد ان لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فالحكم باخراج أحد من ملة الإسلام والقول بتكفيره تحت مدعاة مقولة صدرت منه أو فكر أو تصرف ما يعد من قبيل الجهل بأحكام الإسلام ومن قبيل التطرف والغلو في استخدام الشريعة واستخدام الدين ذريعة لتحقيق غرض أو مطلب أو غير ذلك فلم يكن الدين ابداً خاضعاً لأهواء الناس ورغباتهم وانما هو أمر وعلاقة سامية بين الإنسان وربه.. بل ان الإسلام كفل حرية العقيدة للجميع فقد قال تعالي “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” وقال تعالي “ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء” وقال ايضاً “فذكر انما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر” فإذا كان شأن الخطاب من رب العزة جل وعلا لرسوله هكذا فكيف ننصب أنفسنا مسيطرين علي عقائد الناس وايمانهم وندور نوزع بطاقات الكفر شمالا ويمينا للوصول إلي أهواء الإسلام منها بريء. أضاف: علينا ان نترك أمور الدين للخالق سبحانه وتعالي وننزه الدين عن كل عيب ونقص وعن كل رغبة وهوي حتي يظل الدين في مكانته السامية بل أقول ان الإنسان الذي يتخذ من الدين وسيلة لترويج أمر اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي أو انتخابي فهو أثم لا محالة لأنه يستخدم الدين في أغراض لا يجوز ان يزج بالدين فيها والمؤكد ان أمور الدعاية الانتخابية وما يدور فيها من كذب وشتائم وسباب وقذف وهمز ولمز وتنابز بالالقاب يجعل العملية الانتخابية غير شريفة. قال إذا اردنا ان تكون الانتخابات نزيهة وشريفة فلننزه انفسنا عن ذلك ويحرص المؤمن دائما علي عدم الزج بالدين في مثل هذه الاجواء الملوثة وكنت اتمني ان تكون الديمقراطية والتنفس بهواء الحرية نقيا حتي يستمتع الناس باجواء الحرية التي انعم الله بها علينا بعد زوال النظام الفاسد المستبد حتي لا ينقلب الأمر إلي ضده.
