يبدو أن العام الحالي ..2012 سيكون حاسماً واستثنائياً في تاريخ الشرق الأوسط.. فقد تضخمت الأزمات والصراعات في المنطقة.. وتفاقمت أعراضها.. وأصبحت قابلة للانفجار في أي لحظة.. ربما بالتدخل العسكري الأمريكي الأوروبي في سوريا.. وربما بضربة عسكرية إسرائيلية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية!
ومن الآن.. وحتي نهاية ..2012 تقترب إسرائيل بشدة من اتخاذ القرار الحاسم في مواجهة “التهديد النووي الإيراني” لوجودها!
ترتجف الكلمات علي الشفاه من شدة الخوف.. حين يقولون في تل أبيب إن القدس.. هي المكان الذي بدأ فيه كل شيء.. أي أن الحياة بدأت في القدس.. وحسب نبوءات يوم القيامة في التوراة.. فإن القدس ايضا هي المكان الذي سوف ينتهي فيه كل شيء فوق كوكب الأرض!!وبالقرب من المدينة القديمة في القدس.. توجد قرية “بيت زكريا”.. أي النبي زكريا.. وبالقرب من القرية أقيمت أكبر قاعدة لسلاح الطيران الإسرائيلي.. حيث يوجد فيها منصات إطلاق صواريخ أريحا الباليستية بعيدة المدي من الأجيال الجديدة التي تحمل رءوساً نووية وهي جاهزة للإطلاق في أي لحظة.. كما توجد أسراب من طائرات إف – 15 وإف – ..16 المجهزة بالقنابل والصواريخ القادرة علي اختراق حصون ومواقع المنشآت النووية الإيرانية الموجودة تحت الأرض.
توابع الربيع العربي
لقد تغيرت خريطة الشرق الأوسط كثيراً حين قامت دولة إسرائيل في عام ..1948 ومازالت خريطة المنطقة قابلة لتغييرات واسعة جديدة في ..2012 سواء بسبب تحولات ثورات وتقلبات ما يسمي بالربيع العربي.. أو بسبب الصراع الساخن بين إيران وإسرائيل علي احتكار السلاح النووي.
وتبدو أعراض الصراع واضحة بين إيران وإسرائيل من خلال “الحرب الخفية” الدائرة حالياً بين الطرفين.. حيث يتعرض علماء الصواريخ والفيزياء النووية في إيران لعمليات اغتيال مفاجئة وغامضة.. كما يتم تعطيل البرنامج النووي الإيراني من خلال فيروسات الإنترنت.
وتؤكد كل الشواهد أن قيام إسرائيل بتوجيه ضربة مفاجئة لمواقع البرنامج النووي الإيراني.. سيؤدي بالضرورة لحرب شاملة في المنطقة.. وربما تورطت الولايات المتحدة ودول أوروبية أخري منحازة لإسرائيل في هذه الحرب!!
ولا يوجد أمام إسرائيل سوي الحرب.. أو القبول بوجود إيران كقوة نووية وهذا يؤدي إلي تغيير هائل في موازين القوي في الشرق الأوسط.
ويقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشدة ضد البرنامج النووي الإيراني.. ومنذ أيام وقف نتنياهو في القدس.. ليحذر العالم من الخطر الذي تمثله إيران النووية علي وجود إسرائيل.. وأشار إلي تهديدات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد.. بتدمير دولة إسرائيل.
ومرة أخري قال نتنياهو إن إيران.. أصبحت التجسيد الجديد لألمانيا تحت حكم النازي.. وأن البرنامج النووي الإيراني يمكن أن يؤدي لمحرقة ثانية لليهود.. بعد أن دخلت إيران في سباق مع نفسها ومع الزمن للتسلح بالقنابل الذرية!
المخبأ السري تحت الأرض
ولم يعد أمام إسرائيل تحت قيادة نتنياهو سوي واحد من اختيارين:
الأول.. أن تتعايش مع إيران كقوة نووية.. وهذا مرفوض تماماً لأنه من الصعب أن تشعر إسرائيل بالأمن من دون انفرادها واحتكارها للأسلحة النووية.
الثاني.. أن تقوم إسرائيل بضربة عسكرية لتدمير المشروع النووي الإيراني.. بما كل ما ينطوي علي هذه الضربة من مخاطر الحرب الشاملة.. وربما حتي الحرب النووية.. فلا أحد يدري.. ربما كان لدي إيران سلاح نووي خفي!! فأين يذهب العالم في 2012؟! وأين تذهب دول وشعوب المنطقة؟!
ومنذ أيام قام نتنياهو بزيارة لأكبر المخابئ النووية التي أقامتها إسرائيل تحت الأرض.. بالقرب من القدس.. ليتحمل الضربات النووية.. ويكون المأوي للحكومة الإسرائيلية وللكنيست إذا تعرضت إسرائيل لهجوم نووي وقد تم تزويد المخبأ بكل وسائل الاتصالات الحديثة.. حتي يمكن للحكومة الإسرائيلية الاستمرار في قيادة إسرائيل وإدارة شئونها حتي في حالة الحرب النووية.
ومع ذلك يبدو أن إحساس إسرائيل بالخوف والضعف أكبر وأقدم من البرنامج النووي الإيراني.. وفي هذا الكتاب “أسوأ أسرار تحتفظ بها إسرائيل” يقول المؤلف الإسرائيلي أفنر كوهين.. إن إسرائيل اليوم أصبح لها وجود في خريطة القوي الإقليمية في الشرق الأوسط.. وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لديها أسلحة نووية.. لكن ذلك لم يخفف الإحساس الإسرائيلي العام بالخوف وانعدام الأمن.
وبعد أكثر من 60 عاماً علي قيامها.. مازالت إسرائيل محاطة بأعداء يعلنون كل يوم رغبتهم في تدميرها.. ومازال وجود إسرائيل معرضاً للخطر.
ورغم كل الانجازات الكبري التي حققتها إسرائيل.. الدولة والمجتمع.. إلا أن الهوية الإسرائيلية مازالت مليئة بالخوف من أن إسرائيل تعيش تحت الحصار دائماً.
ويردد اليهود منذ قديم الزمن “إن العالم كله يقف ضدنا”.
بهذا الفكر المتوارث داخل العقل الإسرائيلي نكتشف أن شرعية دولة إسرائيل ذاتها مازالت موضع شك.. حتي بين الإسرائيليين أنفسهم.. لأن وجود إسرائيل غير معترف به من جانب أغلب جيرانها العرب.. وخصوصاً الفلسطينيين.
يقول الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد.. إن إسرائيل كيان غير طبيعي وغير شرعي.. ولذلك فإنه محكوم علي إسرائيل بالاختفاء من صفحات التاريخ.
ولم يجد الإسرائيليون تفسيراً لهذه العبارة سوي أن أحمدي نجاد يريد أن يزيل إسرائيل من الوجود بالقنبلة الذرية.
ونفي نجاد ذلك وقال إن إيران لا تنوي إلقاء قنابل نووية فوق إسرائيل لأن إيران لا تنوي إنتاج هذه القنابل.
ومع ذلك فقد نكأت تصريحات الرئيس الإيراني الجرح العميق في قلوب الإسرائيليين.. حين قال إن إسرائيل كقوة تاريخية سوف تختفي من الوجود!
أزمة شرعية
إذا كانت إسرائيل تواجه أزمة تخص مشروعية وجودها أمام العالم.. فإنها تواجه أزمة أعمق تجاه مشروعية وجودها أمام الشعب الإسرائيلي ذاته في الداخل. فمازالت إسرائيل دولة بلا دستور.. حتي بعد 60 عاماً من قيامها.. مازالت بلا وثيقة أساسية تحدد العلاقة بين المواطن اليهودي والدولة التي يقيم فيها.. وغياب الدستور يعني أنه لم يتم بعد حسم القضايا الأساسية التي تخص هوية إسرائيل كدولة يهودية – صهيونية.. ولم يتم بعد تحديد العلاقة بين إسرائيل واليهود حول العالم.. ومازالت حدود إسرائيل غير معترف بها.. وكل ذلك يكشف إلي أي مدي تعيش إسرائيل في وضع غامض أمام العالم كله.. والغموض يشمل حتي طبيعة وجودها كدولة.. ولذلك ليس مستغرباً أن تمتلك إسرائيل ترسانة غامضة وخفية للأسلحة النووية!!
فقد عقدت إسرائيل صفقة شيطانية مع نفسها واتجهت لإنتاج وتطوير الأسلحة النووية.. في إطار شامل وكثيف من السرية والاخفاء والغموض.. وهذه القضية تعكس الورطة الأكبر بالنسبة لإسرائيل.. لأن وجودها وكيانها ذاته مازال طي السرية والاخفاء والغموض.
ويقول الإسرائيليون إننا نعيش في محيط عربي مليء بالعداء والصراع.. والسلاح النووي الرادع الوحيد الذي يمكن أن يحمي وجود إسرائيل.. ولكن التجربة أثببتت أن الرادع النووي ليس بديلاً عن السلام.. وليس بديلاً عن اعتراف الجيران العرب.. وبذلك يصبح السلاح النووي تأكيداً للوضع الإسرائيلي الشاذ.. إسرائيل الدولة والمجتمع.
يقال إن ديفيد بن جوريون تعلق بمشروع القنبلة الذرية من البداية.. حتي قبل إعلان دولة إسرائيل.. وبالتحديد حين قامت الولايات المتحدة بإلقاء قنبلتين فوق مدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان في الأيام الأخيرة الحاسمة للحرب العالمية الثانية.
وقد نجحت إسرائيل في تحقيق أمل بن جوريون خلال أقل من 10 سنوات علي وجودها.. وبالتحديد قبل عدوان يونيو 1967 بأسابيع.. وربما أيام.
وربما وفرت القنبلة الذرية لإسرائيل القدرة علي البقاء في ظل محيط عربي معاد.. وربما دفعت القنبلة الذرية مصر والأردن لعقد السلام مع إسرائيل.. كما يتصور بعض الإسرائيليين. لكن في المقابل فشلت الترسانة النووية الإسرائيلية في ردع الشعب الفلسطيني وإجباره علي التوصل لحل وسط يرضي إسرائيل.. بل وفشلت في إجبار الشعب الفلسطيني علي التعايش البارد مع حقيقة وجود إسرائيل.. ورفض الفلسطينيون الاستسلام للمشروع الصهيوني.
ومع ذلك من المؤكد أن الترسانة النووية ساهمت في زيادة التعنت والعناد الإسرائيلي في رفض التوصل إلي تسوية سلمية تلبي الحد الأدني من مطالب الفلسطينيين.
ويمكن إن يقال أن احتكار إسرائيل للأسلحة النووية في الشرق الأوسط.. يوفر لها الإحساس “براحة الوجود”.. ولكن إذا تم كسر احتكار إسرائيل للأسلحة النووية.. فإن الإحساس بالقلق الحاد سيعاود إسرائيل شعباً ودولة من جديد.
ومن الآن يشعر الإسرائيليون بالخوف والقلق البالغ تجاه قنبلة نووية إيرانية لا وجود لها.. بل إن الإيرانيين لا يشعرون بالقلق تجاه ترسانة إسرائيل النووية الهائلة.. مثلما تشعر إسرائيل بالقلق تجاه برنامج نووي إيراني لم يكتمل.. وربما لا يكتمل!!
وكما أن وجود إسرائيل يفتقد الشرعية والاعتراف.. فإن ترسانة إسرائيل النووية تفتقد الشرعية والاعتراف والإعلان رغم أنها مؤكدة الوجود وقد أصبحت إسرائيل فعلاً الدولة النووية السادسة في العالم منذ أواخر الستينيات.. لكن لم يعترف أحد في العالم بذلك.. ولا حتي الشعب الإسرائيلي.
وذات مرة التقي الرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي في بداية حكمه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن جوريون.. وجري اللقاء سراً في مايو 1961 وبالتحديد في فندق “ولدورف استوريا” في نيويورك.. وكان جدول أعمال اللقاء يتضمن موضوعاً واحداً.. مفاعل ديمونة النووي في صحراء النقب.. وكانت المخابرات المركزية الأمريكية قد كشفت أسرار هذا المفاعل الغامض قبل ذلك بعدة أشهر.. وكان كيندي.. الرئيس الأمريكي الشاب في ذلك الوقت.. يرفض بشكل حاسم وجود مفاعل نووي سري لدي إسرائيل.
ورغم أن بن جوريون تعهد أمام كيندي سراً وعلناً بأن مشروع ديمونة النووي له أعراض سليمة فقط.. إلا أن كيندي لم يقتنع بذلك مطلقاً.
ولقد ظلت وقائع هذا اللقاء سراً لا يطلع عليه أحد علي مدي ثلاثين عاماً.. ولم يتم كشف وقائع ما جري فيه إلا في أوائل التسعينيات.
تقول وثائق اللقاء إن كيندي أكد خلال ال 15 دقيقة الأولي من لقائه مع بن جوريون طالب بضرورة أن تلتزم إسرائيل بتعهداتها وأن يبقي مفاعل ديمونة للأبحاث والأغراض السليمة فقط.. وطلب كيندي من بن جوريون تعهدات معلنة بذلك.. وأن تقوم فرق تفتيش أمريكية بزيارة المفاعل بشكل دوري.. لتقدم تقارير تؤكد دائماً سلمية البرنامج النووي الإسرائيلي!!
في المقابل تحدث بن جوريون بكل ما لديه من خبث ودهاء.. وأسهب في الحديث عن مشاكل إسرائيل الدائمة مع نقص الطاقة.. وقال إنه يتعهد بأن يكون مفاعل ديمونة للأغراض السلمية.. ثم غلب الغموض علي حديث بن جوريون وقال إن أمريكا تسأل عن مفاعل ديمونة.. وهل هو حقاً للأغراض السلمية فقط.. وأقول لكم في الوقت الراهن في ..1961 إن مفاعل ديمونة مخصص فقط للأغراض السلمية. وخلال أربعة أعوام علي الأكثر سيكون لدي إسرائيل مشروع رائد لتخصيب اليورانيوم وهو ما تحتاجه للمفاعل الذي يستهدف إنتاج الطاقة.. ولا يوجد لدي إسرائيل حالياً أي نوايا لإنتاج أسلحة نووية.. علي الأقل علي مدي السنوات الأربع القادمة.. ولكن ربما تقوم روسيا بتزويد الصين ومصر بالقنابل الذرية.. وقد تقوم مصر بإنتاج الأسلحة النووية لنفسها وبنفسها!!
سيناريو متكرر
ومن المثير للدهشة أن يتكرر حديث بن جوريون مرة أخري ولكن علي لسان علي لارجاني.. سكرتير عام مجلس الأمن القومي الإيراني.. الذي أكد في ..2007 أن برنامج إيران النووي حالياً ليس له سوي أغراض سلمية.. لكن لا أحد يعلم ما يخفيه القدر في المستقبل.. لأنه إذا تعرضت إيران لتهديد ما.. فإن كل شيء جائز وممكن.. أي أنه يمكن لإيران إنتاج سلاح نووي!!
هنا.. يبدو التشابه واضحاً بين وضع إيران اليوم.. ووضع إسرائيل في أوائل الستينيات.
والحقيقة أن إسرائيل من الناحية القانونية تبدو مطلقة اليد وحرة في الاستمرار في برنامجها النووي لأنها لم توقع علي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.. تحت دعم كامل من المظلة الدبلوماسية الأمريكية.
ولم يحدث مطلقاً أن خضع مفاعل ديمونة لأنه رقابة دولية.. وكانت زيارات فرق التفتيش الأمريكية فيها من الود والمحبة أكثر مما فيها من التفتيش والتحقق من سلمية المشروع.. وانتهي كل ذلك بين أمريكا وإسرائيل بالاتفاق الشهير بين نيكسون وجولدا مائير.. بالإبقاء علي ترسانة إسرائيل النووية.. سراً غير معلن.
لكن الوضع يختلف بالنسبة لإيران التي وقعت معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.. ومنشآت إيران ومفاعلاتها النووية تخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وبالتكنولوجيا المتوفرة حالياً لدي فرق التفتيش الدولية فإنه من الصعب جداً علي إيران إخفاء معامل إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب.. حتي لو كان بكميات قليلة.. ولن تتمكن إيران من إنتاج هذا النوع من اليورانيوم إلا في معامل سرية تحت الأرض.
صواريخ وغواصات
وفي حين يبدو البرنامج النووي الإيراني معطلاً.. تحت حصار العقوبات الاقتصادية وتهديدات الحرب الوقائية.. فإن إسرائيل قطعت أشواطاً بعيدة. ليس فقط في إنتاج القنابل الذرية.. بل في مجال إنتاج وتطوير الوسائل القادرة علي توصيلها إلي أهدافها في أي مكان في الشرق الأوسط.. من باكستان في أقصي الشرق.. وحتي المغرب.
وفي حين تعثرت مشاريع إنتاج الصواريخ في مصر.. نجحت إسرائيل منذ منتصف السبعينيات في إنتاج وتطوير أجيال جديدة من صواريخ “أريحا – 2″ الباليستية ذات مدي يزيد علي 2500 كيلو متر.. وهي بالغة الدقة.. وقادرة علي حمل رءوس نووية.. وقد أجرت إسرائيل تجارب علي صواريخ أريحا – 2 في أواخر الثمانينيات.. وقامت بنشر هذا النوع من الصواريخ فعلاً في أوائل التسعينيات.
ومنذ أوائل الثمانينيات.. وربما قبل ذلك.. بدأ التخطيط في البحرية الإسرائيلية لامتلاك أجيال جديدة من الغواصات التقليدية القادرة علي إطلاق صواريخ كروز بعيدة المدي القادرة علي حمل رؤوس نووية.. بما يعطي لإسرائيل القدرة علي الرد علي أي هجوم نووي.. بضربة انتقامية ثانية لأي عدو.. مثلما هو الحال مع الولايات المتحدة وروسيا.. حيث تمتلك كل منهما أسطولاً كبيراً من الغواصات النووية القادرة علي إطلاق صواريخ عابرة للقارات.. لتوجيه ضربة نووية ثانية لأي عدو يبدأ بالحرب النووية!!
ورغم أن الجنرال إيهود باراك اعترض في البداية علي مشروع الغواصة الإسرائيلي بسبب التكلفة العالية للمشروع.. لكن الوضع الاستراتيجي لإسرائيل تغير تماماً بعد حرب الخليج الأولي في .1991
وفجأة تقدمت الحكومة الألمانية بقيادة المستشار كول.. بعرض لحكومة إسرائيل.. تقوم ألمانيا بموجبه ببناء غواصتي ديزل لحساب إسرائيل من طراز دولفين لحساب إسرائيل.. وبمواصفات خاصة بما يجعلها قادرة علي إطلاق صواريخ كروز بعيدة المدي.. وتحملت ألمانيا تكاليف بناء الغواصتين الأول والثانية.. وقدمتهما هدية لإسرائيل!!
وبعد ذلك تحملت ألمانيا 50% من تكاليف بناء الغواصة الثالثة. وقد حصلت إسرائيل علي غواصة رابعة في ..2012 وتعاقدت للحصول علي الغواصتين الخامسة والسادسة خلال العامين القادمين.
وحين رفضت أمريكا تزويد إسرائيل بصواريخ كروز من طراز توماهوك اتجهت إسرائيل لإنتاج صواريخ كروز.. تعادل الصواريخ الأمريكية.. ويزيد مداها علي 900 ميل أي ما يزيد علي 1500 كيلو متر.
لجنة الإخفاء والتمويه
وأحياناً تبدو إسرائيل مثل جبل الجليد.. الجزء المعلن والمعروف منها أقل كثيراً من الجزء الخفي الذي لا يعرفه أحد. وقد انشأ بن جوريون اللجنة الإسرائيلية للطاقة الذرية في النصف الثاني من الخمسينيات.. وهي الهيئة – السرية طبعاً – التي تتحمل المسئولية الكاملة عن القضايا والملفات النووية في إسرائيل وهي ” قدس الأقداس في “الجمهورية النووية السرية في إسرائيل”.
وفي داخل هذه المؤسسة يتم إنتاج كل أسرار إسرائيل النووية.. وهي أكثر المؤسسات سرية في إسرائيل.. فكل أنشطتها وعملياتها سرية ومازالت المهمة الرئيسية لهذه الهيئة سرية.. وأهدافها وبرنامجها مازال سراً لا يعرفه أحد. ولا توجد معلومات عن الشكل التنظيمي للجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية من الداخل.. ولا توجد معلومات حول حجم الميزانية المخصصة لها سنوياً. وبالطبع فإن كل المنشآت النووية الخاصة بهذه الهيئة بالغة السرية.. وليس لها خريطة معروفة.. لأن كل المواقع غير محددة.. بل ومجهولة تماماً.
ويتعرض العاملون داخل أجهزة لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية لاختبارات أمنية سرية وشاقة للغاية.. لضمان قدراتهم والثقة في ولائهم.. وتتكرر هذه الاختبارات القاسية من وقت لآخر.. وتبقي هوية كبار المسئولين في هذه اللجنة مجهولة أمام الرأي العام.
ويوجد لدي إسرائيل ثلاثة أجهزة سرية للغاية.. هي جهاز المخابرات الخارجي – الموساد – وجهاز الأمن العام الداخلي – جي إس إس – ولجنة الطاقة الذرية.. وهي الأكثر سرية بين كل الأجهزة الإسرائيلية.. وهي تتفوق فعلاً عن الموساد.. من حيث سرية النشاط والهوية المجهولة للعاملين فيها.
ولا يوجد مثيل للجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية سوي الإدارة القومية للأمن النووي الأمريكية – إن إن إس أيه – وهي هيئة شبه مستقلة داخل وزارة الطاقة الأمريكية.. وهي تنفرد بالمسئولية المطلقة عن المجمع الصناعي السري لإنتاج الأسلحة النووية في الولايات المتحدة.
ومن المثير للدهشة أن الموقع الإلكتروني للهيئة الأمريكية يتضمن تفاصيل المهام المكلفة بها.. وإن كان لا يكشف تفاصيل إنتاج الأسلحة النووية.. لكن موقع اللجنة الإسرئيلية علي الإنترنت لا ينطوي علي أي شفافية.. لأن مهام هذه اللجنة مازالت سرية.. وهوية كبار المسئولين فيها.. السابقين والحاليين مجهولة تماماً.
سؤال مفتوح
ويبقي السؤال مفتوحاً.. هل يمكن أن تنفرد إسرائيل بعملية عسكرية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية؟! أم هل يمكن أن تلجأ إسرائيل إلي التحالف مع أمريكا وبعض دول أوروبا لتدمير المشروع النووي الإيراني؟!
يقول الخبراء إن أي حرب إسرائيلية.. أو إسرائيلية أمريكية ضد إيران يمكن أن تؤدي إلي تغيير وجه الحياة في إيران وفي إسرائيل وفي دول الخليج والشرق الأوسط كله!! وربما في العالم ايضا.
ويقولون في تل أبيب.. إن إسرائيل مضطرة لأول مرة بألا تتصرف منفردة في قضية تهم أمنها القومي.. وهي المشروع النووي الإيراني.
ولابد أن تتحالف إسرائيل مع قوي عالمية أخري.. خاصة الولايات المتحدة.. لمواجهة التحدي النووي الإيراني المخيف.
قد تتحمل إسرائيل الجزء الأكبر من عملية الهجوم ضد إيران.. لكن القرار السياسي الرئيسي في العملية سوف يتحمله الآخرون.. خاصة في واشنطن.
ومن قبل قامت إسرائيل بتدمير مفاعل أوزيراك العراقي في .1981
في ذلك الوقت تصرفت إسرائيل بشكل منفرد.. ولم يتشاور مناحم بيجين رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت مع أحد.. سوي الزملاء في الحكومة الإسرائيلية.. ولم يكن المفاعل النووي العراقي في ذلك الوقت قضية عالمية في نظر القوي الكبري. وقامت الطائرات الإسرائيلية بتدمير المفاعل العراقي في لحظات.. وتحملت إسرائيل المسئولية كاملة.
لكن الوضع مع إيران يختلف.. ربما كانت إسرائيل هي الهدف الأول للتهديد النووي الإيراني.. لكن إسرائيل ليست وحدها في الأزمة.. لأن البرنامج النووي الإيراني تحول إلي أزمة عالمية.
وقد أقيم البرنامج النووي الإيراني بأسلوب لا تستطيع دولة واحدة مثل إسرائيل مواجهته.. وإذا تعرضت إيران لهجوم إسرائيلي أو إسرائيلي أمريكي.. فإن الرد الانتقامي الإيراني سيكون كثيفاً وواسعاً.
ولهذا فإن احتمالات انفراد إسرائيل بالهجوم علي إيران تبدو محدودة للغاية.. ولكن المقربين من بنيامين نتنياهو وإيهود باراك في إسرائيل.. يؤكدون أن إسرائيل اقتربت من لحظة الحسم وأن عام ..2012 وبالتحديد في أواخر هذا العام قد تتعرض إيران لهجوم إسرائيلي واسع.. تتورط فيه الولايات المتحدة.
لكن هل يمكن أن تتورط أمريكا في حرب واسعة في الشرق الأوسط ضد إيران.. وربما ضد إيران وسوريا في عام انتخابات الرئاسة الأمريكية؟!
لا أحد يعلم.. رغم أن العملية تبدو أكبر من إسرائيل.. لكن صيحات التهديد ضد إيران ارتفعت في تل أبيب هذا العام أكثر من أي وقت مضي.. ويقولون إن ..2012 هو عام الحسم مع إيران.
اسرائيل سوف تهزمها جماعة من المسلمين و ليست دولة.