العالم يتساءل الآن. هل حقا أن أرض فلسطين هي الجائزة الجغرافية والاستراتيجية المهمة.. التي تستحق كل هذا الصراع الدموي الطويل بين العرب واليهود! يقول الاسرائيليون.. إن في فلسطين جائزة تاريخية للشعب اليهودي. الذي تعرض للطرد وعاش في الشتات خارج هذه الأرض منذ القرن الأول الميلادي.. وحتي قيام دولة اسرائيل في .1948لكن حقائق الصراع الطويل تبدو أكبر من جوائز الجغرافيا وأساطير التاريخ التي يتمسك بها اليهود.. خاصة إذا أدركنا أن آلة الدعاية الاسرائيلية قد أجادت منذ قديم الزمن كل فنون الأكاذيب والمغالطات التاريخية والتضليل وهناك من يعترفون في واشنطن بأنه لو أن الرأي العام في العالم يعرف حقيقة ما يجري في فلسطين.. ما حدثت كل هذه الحروب.. خاصة بعد أن تحولت اسرائيل إلي “جيتو كبير” لليهود في العالم. ..إن الوضع القائم الآن.. لن يكون هو المصير النهائي لأرض فلسطين.. باعتراف الاسرائيليين أنفسهم.. لأن المشروع الصهيوني الاستيطاني بدأ يفقد صلاحيته السياسية والتاريخية.. رغم أن اسرائيل بلغت حاليا أوج ما تريده من قوة عسكرية تقليدية ونووية. ومنذ وصوله إلي السلطة حاول رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يفرض جدول أعماله السياسي علي الشرق الأوسط.. وادعي أمام العالم أنه لا توجد أزمة بين اسرائيل والشعب الفلسطيني.. لأن الأزمة الحقيقية التي تهدد العالم هي المشروع النووي الايراني الذي يهدد التوازن الإقليمي في الخليج العربي وفي الشرق الأوسط. وتراجعت اسرائيل عن مخططاتها لضرب المنشآت النووية في إيران.. وركزت الآلة العسكرية الاسرائيلية ضرباتها فجأة ضد غزة للمرة الثانية خلال أقل من أربع سنوات.. من الواضح أن اسرائيل تريد عقاب غزة ليس فقط بالحصار و التجويع.. لكن أيضا بضربات الطائرات والصواريخ. وتعترف صحيفة ها آرتس بأن الحملة الاسرائيلية الجديدة علي غزة تستهدف حرمان الفلسطينيين من أي أمل في أن تقوم لهم دولة بجوار دولة اسرائيل.. خاصة مع اقتراب التصويت علي قبول عضوية دولة فلسطين غير الكاملة في الأمم المتحدة. وحين تتصاعد الضربات الاسرائيلية علي غزة.. لابد أن نستعيد كلمات ديفيد بن جوريون مؤسس دولة اسرائيل الذي كان يردد دائما أنه يتمني أن يستيقظ ذات صباح.. ليجد غزة وقد غرقت في البحر. وهذا يعني أن الكراهية الاسرائيلية لغزة بالذات متأصلة في قلب المشروع الصهيوني في فلسطين. أزمة إسرائيل أكبر وأعمق! إن الفلسطينيين في غزة يعيشون في أزمة مزمنة.. أزمة ضيق الأرض.. وقلة الموارد.. لكن اسرائيل تعيش في أزمة أكبر وربما كانت أكثر قسوة. فقد حصلت اسرائيل بالدعم الأمريكي والأوروبي المتواصل علي كل ما تحتاجه من مال وسلاح.. حتي أصبحت قوة إقليمية تتفوق من الناحية العسكرية علي دولة كبري مثل فرنسا وحتي بريطانيا.. ومن المؤكد أن سلاح الطيران الاسرائيلي يتفوق علي ما لدي فرنسا وبريطانيا من طائرات ومعدات وأجهزة أمريكية بالغة التطور والتعقيد. إن الأزمة العميقة التي تعيش فيها اسرائيل دائما تتعلق بحقيقة الهوية الوطنية الاسرائيلية.. التي ليس لها وجود إلا في جوازات السفر التي يحملها الاسرائيليون. لكن الهوية الوطنية في الواقع شيء في قلب الانسان وفي عقله وكيانه أكبر من بيانات جوازات السفر وبطاقات الهوية التي نكتب فيها ما نشاء وكيف نشاء!! وفي هذا الكتاب “اختراع الشعب اليهودي” يؤكد المؤرخ الاسرائيلي الكبير شلوموساند أنه لايوجد شيء اسمه الشعب اليهودي.. أو حتي الشعب الاسرائيلي.. وحين صدر هذا الكتاب في اسرائيل باللغة العبرية أحدث صدمة كبري لدي الرأي العام الاسرائيلي.. وقال كبار المفكرين الصهاينة في اسرائيل إن شلومو ساند ينكر الحقائق التوراتية التي جاءت في الكتاب المقدس لليهود والذي هو كتاب الكتب كلها علي التاريخ لكن شلومو ساند يؤكد أنه لو كان يهود العالم يشكلون شعبا واحداً حقا فما هي العناصر المشتركة التي تجمع بين اليهود القادمين من كييف في أوكرانيا مع اليهود القادمين من مراكش أو اليمن؟! الحقيقة أنه لا يوجد ما يجمع بينهم سوي بعض الممارسات الدينية.. وحتي في هذه الممارسات الدينية مختلف عليها بين مختلف أجناس اليهود!! وهناك من يقولون بأن اليهودية ظلت ديانة تحظي بقبول الناس قديما وظلت تنتشر علي نطاق واسع.. حتي جاء الصعود المنتصر للديانتين الكبيرتين.. المسيحية والاسلام. ونجحت الديانة اليهودية في البقاء حتي العصر الحديث وإن كان ذلك بصورة محددة للغاية ويمكن القول بأن اليهودية كانت دائما الدين والثقافة.. لكنها لم تكن تمثل أبدا أي شعب.. كما ادعي المفكرون الصهاينة منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتي اليوم. وصايا موسي ويؤمن الاسرائيليون بأن الشعب اليهودي جاء إلي الوجود حين تلقي النبي موسي الوصايا العشر من الرب في جبل سيناء.. وهم علي اقتناع تام بأن الشعب اليهودي الذي خرج من مصر.. قام بغزو أرض فلسطين وأقام فيها وأنها هي الأرض الموعودة.. التي وعد بها الرب شعب اسرائيل.. وفوق هذه الأرض أقاموا المملكة العظيمة لداود وسليمان.. وهي التي انقسمت فيما بعد إلي مملكة يهود ومملكة اسرائيل. ادعاءات وأكاذيب ويبدو الاسرائيليون علي اقتناع تام بأن الشعب اليهودي عاش في المنفي والشتات مرتين..وليس مرة واحدة بعد فترات المجد العظمي لمملكة اسرائيل.. فقط سقط الهيكل الأول في القرن السادس قبل الميلاد.. وسقط الهيكل الثاني في عام 70 بعد ميلاد المسيح. ويدعي الإسرائيليون أن مملكتهم هي الأقدم في التاريخ وأن سكانها من اليهود عاشوا في المنفي والشتات علي مدي ألفي عام.. ورغم أنهم عاشوا طويلا مع الشعوب الأخري من غير اليهود إلا أنهم حافظوا دائما علي هويتهم الدينية ورفضوا الاندماج في الشعوب الأخري. وهكذا انتشر اليهود في الشتات بعيدا في شتي بلاد العالم من اليمن إلي المغرب وأسبانيا إلي ألمانيا وبولندا.. وحتي روسيا. ومن المثير للدهشة أن يدعي الاسرائيليون أن الشعب اليهودي كان يحافظ دائما علي صلة الدم بين الجاليات اليهودية المنتشرة في الشتات حول العالم للحفاظ علي هوية اليهود وتميزهم.. وهذا هو جو التفكير العنصري في العقل الاسرائيلي والعقل اليهودي. وتوافرت في أواخر القرن التاسع عشر ظروف تاريخية نادرة جعلت الشعب اليهوي القديم يستيقظ من سباته العميق.. ليحاول العودة من جديد إلي صهيون.. أو إلي أورشليم.. القدس.. أو الأرض الموعودة في فلسطين. ويدعي الإسرائيليون أيضا أنه لولا المذابح الدموية التي ارتكبها الزعيم النازي هتلر ضد اليهود.. لامتلأت أرض اسرائيل في فلسطين بالملايين من اليهود الذين راودهم حلم العودة لاسرائيل علي مدي آلاف السنين..كما كان يردد مناحم بيجن رئيس وزراء اسرائيل الأسبق بأسلوب شعري خاص به. وتتصاعد الدعاية الاسرائيلية وتبلغ قمة الأكاذيب كما يقول المؤرخ الاسرائيلي شلو موساند.. حين يدعي المفكرون الصهاينة أن الشعب اليهودي التائه كان يبحث عن الأرض والوطن.. في حين كانت الأرض العذراء في فلسطين تحلم بأن يعود إليها الشعب اليهودي مرة أخري ليجعلها تزدهر. ضيوف بلا دعوة ويشير الإسرائيليون إلي أبناء الشعب الفلسطيني باعتبارهم الضيوف الذين تواجدوا فوق هذه الأرض بدون دعوة من أحد.. وأقاموا في هذا الوطن.. فلسطين ولكن بما أن الشعب اليهودي قد تمسك بدينه كل هذه السنوات علي مدي ألفي عام من الشتات.. فإن الأرض قد عادت لأصحابها باعتبار أن الشعب الفلسطيني أقام في هذه الأرض بالصدفة!! وهكذا وجد الإسرائيليون المبرر الأخلاقي للحروب التي قاموا بها ضد الشعب الفلسطيني لاقتلاعه من أرضه وتشريد أبنائه من أجل بناء دولة اسرائيل فوق حطام وبقايا المدن والقري الفلسطينية. صدمات قاسية في الذاكرة هكذا يبرر المفكرون في اسرائيل الحروب التي قاموا بها من أجل استيطان أرض فلسطين.. وفي المقابل وصفوا المقاومة الباسلة التي أبداها الفلسطينيون في مواجهة الغزو الإسرائيلي بأنها نوع من الجرائم!! لكن الذاكرة التائهة لإسرائيل تعرضت لسلسلة من الصدمات القاسية علي أيدي جيل جديد من المؤرخين في اسرائيل في الثمانينيات وأوائل التسعينيات وأطلقوا علي المؤرخين الجدد اسم التيار المضاد لتاريخ اسرائيل.. وقد تعاملوا مع مراحل ونتائج حرب ..1948 خاصة ما ترتب علي هذه الحرب من نتائج أخلاقية.. فقد تعرض الشعب الفلسطيني للطرد من أرضه وبلاده بالقوة المسلحة.. وحقا أطلق عليها الفلسطينيون اسم النكبة.. إن ذكري هذه الحرب أصابت الذاكرة الجماعية للإسرائيليين بما يشبه الصدمة وقالوا انها “أعراض 1948” التي أحدثت اضطرابا حقيقيا في الضمير الاسرائيلي. مازال الجيل القديم من الإسرائيليين يرفض كل ذلك.. لكن الجيل الأصغر من المثقفين في اسرائيل لديهم الاستعداد للتنازل والاعتراف بالخطايا الكبري التي ارتكبها اليهود وهم في الطريق إلي إقامة دولتهم! وتفرض المفارقات نفسها.. لأن المحارق الجماعية التي تعرض لها اليهود خلال مذابح الهولوكوست في ألمانيا الغازية كانت مأساة إنسانية حقيقية.. لكن مأساة الشعب الفلسطيني وضياع أرضه كانت مأساة أكبر لا يبررها ما حدث لليهود خلال الهولوكوست. وفي النهاية استبد التفكير العنصري بالعقل الصهيوني الاسرائيلي.. وظهر من يدعون أن اليهود لهم تركيب جثماني بيولوجي خاص بهم يميزهم عن باقي البشر.. وبعد أن تطورت الأبحاث العلمية أصبحنا نجد من يقولون في اسرائيل إن الجينات الوراثية لليهود في أي مكان في العالم واحدة!! ويبدو الإسرائيليون علي اقتناع تام بالانسجام العرقي بينهم.. فقد جاد اليهود إلي فلسطين من جميع أنحاء العالم.. واختلفت ألوانهم وأجسامهم وتعددت لغاتهم.. لكن ذلك لم يمنع ظهور من يدعي أن الجينات الوراثية لليهود واحدة. جمهورية عنصرية! ويسود في اسرائيل مفهوم الصهيونية كحركة قومية.. ولذلك ترفض اسرائيل أن تكون جمهورية في خدمة مواطنيها.. خاصة وأن 25% من سكان اسرائيل داخل حدود 1948 مازالوا من الفلسطينيين..وهم ليسوا يهودا.. وقوانين الدولة تؤكد أن اسرائيل ليست دولتهم.. وتحرص اسرائيل علي استبعادهم عمدا وترفض اندماجهم في المجتمع هكذا رفضت اسرائيل أن تكون دولة ديمقراطية متعددة الأعراق مثل بلجيكا أو سويسرا.. ورفضت أن تكون دولة متعددة الثقافات مثل بريطانيا وهولندا.. أي أنها رفضت أن تكون دولة تقبل التعددية وأن تكون في خدمة كل مواطنيها.. بما في ذلك الفلسطينيون.. وظهر اليوم من يطالبون بأن تكون اسرائيل دولة خالصة لليهود.. وهذا هو تيار العنصرية الحادة القادم والحاكم في اسرائيل. لم يكتبها موسي ويقول المؤرخ الفرنسي القديم إنه من الواضح وضوح الشمس أن الكتب الخمسة الأولي من العهد القديم ــ التوراة ــ لم يكتبها موسي بنفسه ولكن كتبها شخص ما عاش طويلا بعد موسي. وقال ديفيد بن جوريون في بيان إعلان دولة اسرائيل: إن أرض اسرائيل هي التي شهدت ميلاد الشعب اليهودي في هذه الأرض التي شكلت الهوية الروحية والدينية والسياسية للشعب اليهودي.. وفي هذه الأرض أقاموا دولتهم وصنعوا قيما ثقافية لها أبعادها القومية والانسانية وقدموا للعالم كتاب الكتب الخالد ــ التوراة. وفي كتاب “آثار اليهود القديمة” يقول المؤرخ اليهودي القديم فلافيوس جوزيفيوس في القرن الأول الميلادي.. إن الله قد خلق في البداية السماء والأرض.. لكن الأرض كانت في ظلام كثيف.. فأمر الله بأن يكون هناك نور.. وكان هذا أول يوم للأرض! لكن موسي قال إن كل ذلك حدث في يوم واحد!! هكذا بدأ تاريخ اليهود.. مع بدء خلق العالم حسب التفسير التوراتي للتاريخ! وإذا كانت التوراة تتحدث عن قصة شعب مقدس.. فإن القراءة العلمانية الحديثة للتوراة في اسرائيل تشير إلي الشعب اليهودي باعتباره الشعب الأول في تاريخ العالم.. ومع ذلك فقد انقطع تاريخ الشعب اليهودي ما بين العصر القديم والعصر الحديث ولم يظهر من يؤرخ لتاريخ اليهود في العصور الوسطي مطلقا.. عصر ازدهار الحضارة الإسلامية. أكاذيب الدولة القومية ويحاول الصهاينة إدعاء أن مملكة يهودا ــ هاسمونيان ــ كانت دولة قومية.. وهذه من الادعاءات التي تثير السخرية وحتي الضحك.. لأن مجتمع العاصمة في هذه المملكة كانوا يتحدثون اللغة الآرامية.. وكانت قبائل المملكة تتحدث لهجات مختلفة من اللغة العبرية القديمة.. وكانت العملة اليونانية القديمة هي السائدة في المعاملات التجارية ويقول شلومو ساند إن أية مملكة بهذا الشكل لا يمكن أن نقول عنها دولة قومية.. ولا يمكن أن يقال عن مثل هؤلاء السكان أمة واحدة. لكن العنصرية الفكرية لدي المؤرخين الصهاينة تجعلهم يؤمنون بشكل مطلق بأن اليهود جنس من البشر خالص النقاء لم يختلط بدماء قبائل أو أمم وشعوب أخري.. مع أن التوراة لا تقول ولا تشير بذلك. وتسيطر النظرة العنصرية علي المؤرخين اليهود الذين يتمسكون بوجود أصل بيولوجي واحد لليهود.. مثلما اقتنع الفرنسيون يوما أنهم ينحدرون من قبائل الجول.. ومثلما اقتنع الألمان بأنهم ينتمون إلي الجنس الاري أرقي أجناس العالم. ولم تعد التوراة هي النص اللاهوتي المثير للإعجاب.. بل أصبحت مجرد كتاب علماني.. يتم تدريس تعاليمه للتلاميذ اليهود في اسرائيل.. وطبقا لهذه التعاليم لم يعد شعب اسرائيل هو شعب الله المختار.. بل هم شعب انحدر من أبناء إبراهيم.. لكن حدثت مفاجأة كبري حين أكدت الاكتشافات الأثرية الحديثة أن الخروج من مصر قصة توراتية مثيرة.. لكنها تاريخيا ليس لها وجود..وأنه لم يحدث شيء اسمه الخروج من مصر.. بل إنه لا توجد آثار قديمة تؤكد أن مملكة سليمان القديمة العظيمة ليس لها وجود علي مر التاريخ. البحث عن الهيكل وقد قام الإسرائيليون بعمليات حفر واسعة تحت المسجد الأقصي بحثا عن هيكل سليمان وعن أية اثار لمملكة سليمان.. لكنهم لم يجدوا شيئا علي الإطلاق.. وأحدث ذلك صدمة مريرة لدي الرأي العام في اسرائيل الذي اتهم علماء الآثار بأنهم ينفون التوراة. والحقيقة أن التوراة تحولت علي أيدي الإسرائيليين إلي كتاب علماني وقاموا بتحويل قصة الشتات إلي حركة قومية.. وأصبحت الأسطورة التي تحدثت عن طرد الشعب اليهودي علي أيدي الرومان.. هي المبرر المنطقي والتاريخي للإدعاء بأن لليهود حقوقا تاريخية في فلسطين أو ما أصبح في القاموس الصهيوني.. أرض اسرائيل. لم يأت بعد! ومع ذلك فإن كل المؤرخين المتخصصين في التاريخ اليهودي يعلمون جيدا أنه لم يحدث تاريخيا أن قام الرومان بطرد وإخراج اليهود من مملكة يهودا ــ جوريا لكن الشائع من الأكاذيب هو أن شعب اسرائيل تعرض للطرد قهرا من أراضيه في الزمن القديم.. وهو ما تحدث عنه بن جوريون في إعلان قيام دولة اسرائيل. ويدعي اليهود أنهم كانوا يشعرون دائما بالحنين إلي “صهيون” أو مدينتهم المقدسة في أورشليم ــ القدس.. لكن اليهود عندما ذهبوا إلي هناك شعروا أنهم لا يمكن أن يصلوا إلي القدس قبل مجيء المسيح.. لأنه في اعتقاد اليهود أن المسيح لم يأت بعد!! ويقول شلومو ساند إنني كنت علي يقين بحق اليهود في أورشليم لأنني كنت أثق في قصة الشتات.. لكنني لم أتصور مطلقا أن تمضي القرون علي مدي ألفي عام دون أن يتم العثور علي دليل واحد يؤكد أن لليهود حقاً في أرض فلسطين.. أو أنهم تواجدوا فيها من قبل.. في حين أن بقاء السكان الفلسطينيين علي مدي أكثر من 1200 سنة لا يعطيهم أي حق في الأرض التي يعيشون عليها فعلا!! ويؤكد إننا لا نستطيع أن ننفي وجود الولايات المتحدة لمجرد أن السكان الأصليين من الهنود الحمر تعرضوا للسرقة وتم حرمانهم من أراضيهم ولا يمكن أن يدعي أحد اليوم أن الغزاة النورمان يجب أن يرحلوا من الجزر البريطانية.. وهم يشكلون اليوم الشعب الانجليزي.. ولا يمكن أن يطالب أحد بعودة العرب إلي أسبانيا.. إلا إذا أردنا تحويل هذا العالم إلي مستشفي هائل للأمراض العقلية!! إن اسرائيل يمكن أن تدعي أن لها حقا في الوجود في حالة واحدة فقط.. هي إذا قبلت واعترفت بالعملية المؤلمة التي أدت إلي قيامها حين تعرض الشعب الفلسطيني لنكبة تاريخية هائلة وتعرض للطرد والنفي من أرضه. اعتراف بن جوريون وقد اعترف ديفيد بن جوريون ذات يوم بأن الفلسطينيين الموجودين حاليا من سلالة مملكة يهودا القديمة.. فهو الذي قال إن الفلاحين الذين قابلوهم في السنوات الأولي للاستيطان في فلسطين ينحدرون من سلالة اليهود القدامي في مملكة يهودا.. بل وطالب بن جوريون بإعادة توحيد الشعبين لكن بن جوريون يعلم جيدا أنه لم يحدث لليهود شتات في القرن الأول الميلادي.. والمنطق يفرض نفسه علي الجميع لأن الأغلبية الساحقة من اليهود في فلسطين قد تحولوا للإسلام مع الفتح العربي للقدس في القرن السابع الميلادي.. في عهد الخليفة عمر بن الخطاب. أقرب لليهود القدامي ويقول المؤلف إن الشعب الفلسطيني اليوم ينحدر من أصول مختلفة مثل كل شعوب العالم. وربما سكان الخليل الفلسطينيين اليوم أقرب في أصولهم إلي العبرانيين القدامي.. من أغلب الموجودين حول العالم ويصفون أنفسهم بأنهم يهود!! وفي النهاية.. يقول إن التوراة قد تكون كتابا للصلوات.. لكنها ليست كتابا للتاريخ.. وبذلك لابد أن نعترف بأنه لم يكن هناك شيء اسمه الشعب اليهودي في الماضي.. كي نعترف بوجود شعب يهودي اليوم ربما نجحت الحركة الصهيونية في الإدعاء بوجود شعب خالد.. لكنها فشلت في خلق أمة يهودية عالمية. ومع أن اسرائيل أعطت ليهود العالم الحق في الهجرة إليها إلا أن الغالبية العظمي منهم يرفضون العيش تحت السيادة الاسرائيلية أو اليهودية ويفضلون الحياة في ظل جنسية أخري غير يهودية. والحقيقة أن الحركة الصهيونية نجحت في خلق شعبين.. شعب اسرائيل قام بعزو واستيطان فلسطين.. وشعب فلسطين قاوم هذا الغزو والاستيطان بشدة. ومن المثير للدهشة أن قادة الحركة الصهيونية في مختلف بلاد العالم مازالوا إلي اليوم يقدمون الدعم المالي الهائل لإسرائيل رغم أنهم لا يعرفون اللغة العبرية التي يتحدث بها الإسرائيليون ويرفضون تعلمها.. ويرفضون الانضمام لشعب اسرائيل أو الاشتراك بأبنائهم في حروب الشرق الأوسط. وحتي الآن مازال عدد الإسرائيليين الذين يهاجرون من اسرائيل إلي أوروبا وأمريكا.. أكبر من عدد الصهاينة الذين يهاجرون لإسرائيل ولو أتيح ليهود الاتحاد السوفيتي السابق الحق في الاختيار.. لفضلوا جميعا الهجرة للولايات المتحدة.. كما فعل يهود وسط وشرق أوروبا من قبل. ويؤكد شلو موساند أن اسرائيل كان من المستحيل أن يكون لها وجود لولا أن الولايات المتحدة أغلقت أبوابها في وجه المهاجرين اليهود في عشرينات القرن الماضي وحتي بعد الحرب العالمية الثانية. وفي النهاية أصبح الشرق الأوسط أخطر منطقة في العالم خاصة لأولئك الذين يعتبرون أنفسهم يهودا.. خاصة أن الشعب اليهود أسطورة تاريخية لم يكن لها وجود.. لأنها من صنع الحركة الصهيونية التي اخترعت الشعب اليهودي.