مشروع الدستور و الإعلام المسلوق / محمد عزت الشريف
***
قبل ثورة 25 يناير..
كنا ممنوعين من الكتابة في الصحف التي تصدر من مصر، طبقا لقانون العزل ومحو العقول..!!
إلا صاحبنا أبو دم خفيف (لم يكن مشمولاً بنص قوانين نظام مبارك الأمنية)، انتظرنا أن ينتصر الكاتب والإعلامي القدير للشعب العراقي وهو صابر، صامد في مواجهة التتر والمغول المجرمين المعتدين من أمريكان وحلف الناتو ..
20 يوماً (طويلا عريضاً) من القصف المجرم، والظلم المبين؛ دون أن ينبس صاحبنا الإعلامي الظريف ببنت شفة!!
وما أن سقط تمثال الرئيس صدام حسين “رمز المقاومة” وقت سقوط بغداد ـ حتى رأينا التهليل والتطبيل على قنوات التضليل الفضائية، و يخرج صاحبنا الكاتب المذيع الهـُمام عن صمته لأول مرة، لا ليندِّد بعدوان المستعمرين المعتدين؛ بل فاجأنا بوصلة من الضحك والسخرية والإستهزاء، وأغرق أكثر في السفالة و السفاهة وهو يجرب حظه في التمثيل؛
و هو يقف على كرسيه يمثل بقوامه غير الرشيق حالة سقوط تمثال الشهيد صدام حسين.
الصحفي والإعلامي الوطني الثائر لم يهتز له شارب والأمريكان يدخلون بغداد على ظهور الدبابات،
كل ما فعله هو الإستهزاء والاستخفاف والشماتة، والتمثيل بتمثال الشهيد!!.
وما أن أتى رمضان التالي حتى فاجأنا الصحفي التقيّ الورع ببرنامج ديني ليس سوى قراءة في أحد الكتب القديمة ـ دون وعي ، أو ربط للأفكار أو تعمق في المعاني وكأننا في مرحلة الإبتدائي.
الرجل لم يكلف نفسه حتى ولو ساعة من الإعداد قبيل تقديم الطبيخ .
كل ما فعله الرجل هو إبدال الجلابية بالقميص والعلاليق؛ ليبدو في إهاب الشيوخ !!
أما البرنامج ، ومادة البرنامج (كله سليق × سليق) !!
بلوى .. و كارثة كبيرة .. إعلامنا العربي في هذا الزمان
ويزيد الطين بلـّة تلك البرامج التي يسمونها (التوك شو) التي تأتينا من معظم القنوات الفضائية العربية بشكل يومي لا يعطي للإعلامي “مقدم البرنامج” فرصة للإعداد والتحضير وتهيئة النفـْس وإلتقاط النفـَس ليقدم لنا وجبة شهية وطبق إعلامي إعلائي مفيد .. ولكن هيهات هيهات (كله سليق × سليق) !!
أين البرامج التسجيلية والبرامج التوعوية والتثقيفية ، بل وأين البرامج الخدمية التي تعني بالمواطن وهمومه وطموحاته وتطلعاته، وترهف روحه، وتثري وجدانه؟
بدلا من أمثال هذا الذي الآخر الذي ظل لأسابيع يحاول إقناعنا بأنه لم يكن مخطئاً عندما حذرنا بأهوال وأهوال يُنتظر أن تحدث يوم (13/13/2013) .. !!
لقد وصل سليق البرامج حتى إلى الحدّ الذي تخرج فيه المذيعة على المشاهدين في بث مباشر ولا تعلم عمّاذا ستتحدث؟!
كل ما مطلوب منها أن تخرج إلى الناس بوجهها السمح الفتان، وفي أذنيها سماعات تلقنها كل ما تقوله كلمة بكلمة وحرفاً بحرف؛
مقدرة تمثيلية رهيبة ـ ولا شك ـ تلك المذيعة الرهيبة وهي تغضب وتنتقد و تثور على اللجنة التأسيسية والدستور .. !!
والغريب في إعلامنا (أو إعلامهم) المعاصر أن جميع المذيعين والمُعدِّين (إن كان ثمة مُعدين أصلاً) كثيراً مايردِّدون نفس الكلمات، وذات المصطلحات، وحتى النكات والقفشات والإفيهات !
من مثل ( رئيس لكل المصريين) ، (أخونة الدولة)، (سلق الدستور)، (دولة المرشد) .. !!
لقد خلق كل ذلك شريحة من المتأثرين بذلك الابتذال الإعلامي
كلما ناقشت أحدهم وماذا في الدستور؟ ـ سرعان ما يهرب منك ليتحدث عن رئيس الدولة، فإذا ما ناقشته في ما يخص الرئيس؛ يهرب منك ويحدثك عن جماعة الاخوان، فإذا بك وقد كنت بدأت معه في مناقشة الدستور قد إنحدرت شيئاً فشيئاً لمناقشة غلاء الأسعار، وبرشلونة وريال مدريد، ومولد السيد البدوي، وآخر ألبوم غنائي لـ “إليسا” والحفرة اللعينة المزمنة اللي في آخر الشارع !!
كاتب صحفي قدير ليس من أقرباء رئيس الوزراء، بل تشابه أسماء وليس هو وائل قنديل بل إعلامي آخر قديم قدير
يُسخر نفسه ووقته على تويترطوال الليل يحشد لمظاهرة ما أسموها بالإنذار الأخير ..
ويتوقف الوحي عنه، و سيل الأفكار؛ إلا أنه يأبى أن تتوقف التغريدات
ويبدأ الكاتب القدير تغريدته القصيرة بموضوع الدستور و الشرعية و الشريعة ، ولكن ؛ بماذا أنهاها ؟!
أنهاها باتهام شيخ قدير شهير متسائلاً في خبث، ولؤم، وهمز، ولمز: أين راحت أموال التبرعات يا شيخ ..(فلان) ..؟!
وكأنها إشارة البدء والضوء الأخضر لجمهور تويتر (وآلاف الفلوورز) .. و .. هجوووووم !!
لم يكن سوى سؤال بريييييء (وكله سليق × سليق)
أكثر من فقيه من فقهاء القانون والدستور سمعته يقول أنّ في درج مكتبه مسوّدة لمشروع دستور منذ سنوات
والأمر ليس معضلة ولا لوغاريتمات وأنه يمكن طرح المشروع للتصويت والإنتهاء من إجراءات إقراره في غضون أسبوع؛
نفس هؤلاء الفقاء الدستوريين إنقلبوا متناغمين مع وسائل إعلام التضليل ليتحدّثوا عمّا أسموه (سلق الدستور)!!
عجيب هذا التغابي من كل هؤلاء الإعلاميين ومنهم مَن نـَصِفهم بالنخبة، ثم يجيء هؤلاء النخبة متجاهلين 6 شهور من الزمن استغرقها وضع وصياغة ذلك الدستور، ليحدِّثونا عن (السلق والمسلوق) !!
بل راح الكثير من النخبة والإعلاميين يُغرق في الإضلال والتضليل ويوهم الناس أن الليلة التي سهرت فيها لجنة تأسيس الدستور للصباح هي فحسب الليلة التي وضعت اللجنة فيها الدستور !!
إنهم يقلبون الحسنات إلى سيئات
فالدستور المستوفي النقاش خلال 6 شهور، والذي لم يتبقَ عليه فقط سوى التصويت على مواده في ساعتين على الأكثرـ
هذا الدستور؛ عندما تفكر اللجنة في قراءة مواده ( مادة مادة ) على الشعب في بث مباشر على التلفازالمصري، ويستغرق ذلك 18 ساعة من وقت نومهم وراحتهم؛
تأتي تلك الطغمة من الإعلاميين والسياسيين الحزبيين أصحاب المصالح لتشيع بين الناس أن الدستور تم سلقه في 18 ساعة!!
كنا ننتظر أن تقوم تلك القنوات الفضائية ويقوم إعلاميوها ومثقفوها بتقديم سيل متدفق من البرامج التي تقرأ وتشرح وتـُوَعي الناس بمشروع الدستور الذي استغرق وضعه وصياغته شهورا وشهورا؛ إن لم نحسب تلك السنوات التي مكث خلالها في الأدراج.
فعلاً إعلام مسلوق !!
***