سؤال جال بخاطري وأنا أكابد مرارةَ يوم النكبة .. “أيحبّ شارون أن يموتَ؟” بالطبع لا وألف لا .. (ولتجدنَّهم أحرصَ الناس على حياةٍ ومن الذين أشركوا يودُّ أحدهم لو يُعمّرُ ألف سنةٍ وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّرَ والله بصير بما يعملون).
سمعنا منذ عدة سنواتٍ (عام 2006) عن موت شارون (إكلينيكيًّا)، وسمعنا أيضًا منذ عدة أيامٍ عن تعفن جسده، وربما نسمع بعد حينٍ عن تحلله (اللهم آمين). هل سألت نفسك يومًا لماذا كل هذا العذاب؟ إنه سؤال خطير يتعلق بالنكبة طالما نحن في ذكراها نتباكى، اقتحم أرئيل شارون اللعين المسجد الأقصى في سنة 2000 بصحبة حراسه، فصال وجال في ساحته المباركة وسعى فيه فسادًا، وهب المسلمون في شتى بقاع الأرض رافضين هذا الاعتداء، وانطلقت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، فربما خرجت دعوةً من قلبٍ خاشعٍ فُتحت لها أبواب السماء. ذبح شارونُ وشرد آلافَ الفلسطينيين، فربما خرجت دعوةً صادقةً من قلب ثكلَى أو من فاه طفل يتيم فارتجفت لها السموات السبع .. سبحان الله المعز المذل .. إن شارون له في الدنيا خزيٌ وله في الآخر أشدّ ألوان العذاب؛ لأنه أفزع المسلمين الذين يسجدون لله الواحد القهار في المسجد الأقصى (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يُذكرّ فيها اسمُه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزيٌ ولهم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ) … أين مَن طوق الجيش الثالث المصري في حرب السادس من أكتوبر؟! هل من مجيب؟! أين أنت يا آذن (طويل الأذنين)؟!
وطالما أن الحي أبقى من الميت – كما نقول – فلنترك الميت (شارون) ونذهب إلى الحي (المسلمين) .. منذ دراستي الجامعية وأنا أحن للمسجد الأقصى إيما حنين .. يا له من أسى وحزنٍ يتوغل في قلبي كل يومٍ من جرّاء أسر المسجد الأقصى وقيده، كم مرة اشتكى ولم يجد آذانًا صاغيةً؟! ألا لعنةُ الله على القيد كلِّه كما قال أحمد شوقي في سوق الذهب.
منذ 65 سنةٍ وفلسطين تبكي ذُلاً ومهانةً، وتنادي العربَ والمسلمين، وتستغيث بصلاح الدين – رحمه الله –.
أُمتي كم غُصـةٍ داميـةٍ خنقت نجوى عُلاك في فـمِّ
أي جُرحٍ في إبائي راعف فاتـه الأسـى فلـم يلتئـمِ
ألإسرائيـلَ تعلـو رايـةٌ في حمى المهد وظل الحرمِ؟!
يا له من عارٍ وخزيٍ يا واحد ونصف مليار مسلم!! إنا لله وإنا إليه راجعون!! أليس فيكم رجلٌ رشيدٌ؟!
يا ابن الوليد .. ألا سيف تؤجره؟ فكل أسيافنا قد أصبحت خشبا
منذ 65 سنةً والقدس تئن وتتألم وتذرف بدل الدموع دمًا، وحكام العرب على طاولات المناقشة يجتمعون .. آه ثم آهات من اجتماعاتٍ جوفاءَ .. تمخض الجبلُ فولد فأرًا أو ربما نملةَ! ظل الحكام (أخيلة المأته) يثقون في أمريكا وإسرائيل ويصرون أن يقفزوا من المِقلاة إلى النار.
هل نحن (الجيل الحالي) مشتركون في ضياع القدس؟ نعم وألف نعم … أقلُّ الأسبابِ أننا لا نعرف تاريخ النكبة، وجيلٌ لا يعرف ما حدث قبل أن يُولدَ محكومٌ عليه أن يظل طفلاً طول عمره.
ذكرى احتراقي ما تزال حكاية تُروى لكم مبتورة الأسباب
في كل عام تقرؤون فصولهـا لكنكم لا تمنعون جَنابـي
أوَ ما سمعتم ما تقول مآذنـي عنها وما يُدلي به محرابي؟
أوَ ما قرأتم في ملامح صخرتي ما سطَرته معاولُ الإرهاب؟
أوَ ما رأيتم خنجرَ البغي الذي غرسته كفُّ الغدر بين قِبَابي؟
أخَواي في البلد الحرام وطيبةٍ يترقبان على الطريق إيابي
يتساءلان متى الرجوع إليهما يا ليتني أستطيعُ ردَّ جوابِ
وأنا هُنا في قبضة وحشيّـة يقف اليهوديًّ العنيدُ ببابـي
في كفّه الرشاش يُلقي نظرة نارية مسمومـة الأهـداب
يرمي به صَدرَ المصلي كلما وافى إليّ مطهّـرّ الأثوابِ
وإذا رأى في ساحتي متوجّهًا لله أغلـقّ دونّـه أبوابـي
وهناك صورةٌ مُعبرةٌ على موقع التواصل الاجتماعي، صورة عجوز (فلسطين) تجلس على حافة الطريق تنتظر مَن يأخذ بيدها، فلمحت ظل شابة فتية مُنهكة (سوريا) فاستبشرت خيرًا، فقالت هيا يا ابنتي خذي بيد خالتكِ، قالت الفتاة: أين العرب يا خالتي، لقد هُتك عرضي وذُبح ولدي، فقالت العجوز:
مررت على المروءة وهي تبكي فقلت علامَ تنتحب الفتـاةُ؟!
فقالت كيـف لا أبكـي وأهلـي جميعًا دُون خلق الله ماتوا!!
نسمع كثيرًا مَن يقول نريد أن نعيش في سلامٍ وأمان، وتفوه بمثل هذه الثرثرة رجالٌ كنا نعدهم من الأخيار من أمثال مصطفى النحاس حينما قال لمفتي فلسطين: “يا أخي لماذا لا تسوون أمركم مع اليهود عندكم وتريحوننا جميعًا من وجع الدماغ؟!”
فما معنى فلسطينَ بلا أقصى ولا قدسٍ؟!
فلسطيـنُ بلا قدسٍ كجثمـان بلا رأسٍ!!