تعددت أزمات مصر الإقتصادية والسياسية بعد ثورة 25 يناير ..2011 لكن أزمة الأمن القومي في مصر تبدو خطيرة ولا تقبل التأجيل. فقد يمكننا تجاوز أية أزمة سياسية أو إقتصادية مهما كانت.. بالتأجيل والإنتظار.. لكن أزمات الأمن القومي تبدو دائما عاجلة.. وتفرض نفسها بقوة وقسوة.. لأنها ترتبط بكيان الدولة الوطنية ومصالح الشعب وكبرياء الوطن. ومنذ ثورة يوليو ..1952 وحتي الثورة الشعبية الكبري في يناير ..2011 مازالت قضايا الأمن القومي.. هي أكبر مأزق يواجه الوطنية المصرية في القرن الجديد. ويمكننا الإعتراف بوجود مناطق فراغ وثقوب في بنيان الأمن القومي لمصر.. ولكن من قال أنه توجد دولة في العالم تمكنت من تحقيق الأمن المطلق لحدودها ووجودها.. حتي الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكنها إدعاء ذلك.. رغم أنها أكبر قوة عسكرية وإقتصادية في التاريخ المكتوب للإنسانية؟! وقد خاضت مصرحروبا طويلة ومرهقة منذ معركة السويس 1956 وحتي حرب اكتوبر 1973 من أجل تأمين الحدود والوجود.. وتحقيق أعلي درجات الأمن للشعب ومصالحه ودولته المستقلة الحرة. وقد تغير المشهد السياسي في مصر تماما بعد ثورة يناير ..2011 وهي الثورة الشعبية الكبري التي أيدها الجيش بقوة.. ومن المؤكد أنه لولا تدخل الجيش ما كان حسني مبارك ليتنازل عن السلطة. تغيرت الوجوه واختلفت كثيرا في المشهد السياسي داخل مصر.. وظهر لاعبون جدد.. واحتفظ لاعبون قدامي بمواقعهم في فضاء سياسي مفتوح.. لم يعد هناك من يمكنه الإنفراد بالقرار السياسي.. حتي بعد أن تولي الرئيس المنتخب محمد مرسي السلطة.. ويبدو واضحا ان عملية التحول السياسي والديمقراطي في مصر لم تكتمل بعد.. ومازال الجزء الأكبر من القرار السياسي في مصر في قبضة الرأي العام الشعبي. ولذلك.. مازالت القوي الإقليمية والعالمية تتابع بدقة يوميات ما يجري في مصر لحظة بلحظة.. ومازالت الولايات المتحدة الامريكية تبذل كل ما يمكنها من جهد للاحتفاظ بشراكتها وتحالفها الاستراتيجي بمصر بأي ثمن.. لأن مصر.. أهم جغرافيا وسياسيا من أن تخسرها أمريكا.. وقد إعترف واحد من أكبر خبراء الاستراتيجية في كلية الحرب العليا الامريكية مؤخرا بأن مصالح الولايات المتحدة في الشرق الاوسط والخليج العربي ستتعرض لمخاطر كبري اذا حدث وخسرت امريكا مصر.. وتحالفها الاستراتيجي مع مصر. خطر القومية العربية فقد كانت مصرهي جوهرة الصراع العالمي الرهيب بين أمريكا والاتحاد السوفيتي السابق طوال الحرب الباردة.. وفي هذا الكتاب .. جنود.. وجواسيس.. ورجال دولة” يقول البروفسور حازم قنديل الاستاذ بجامعة كيمبردج.. إن العلاقات بين “مصر عبدالناصر” والولايات المتحدة تدهورت كثيرا منذ ..1957 حين رفض عبدالناصر الدخول في أحلاف عسكرية مع امريكا وحين رفض الموافقة علي منح القوات الامريكية قواعد عسكرية في سيناء بالإيجار.. من البداية نظرت الولايات المتحدة إلي دعوة عبدالناصر للقومية العربية والوحدة العربية.. أنه خطر رهيب يهدد مصالحها الاقليمية ويهدد أمن ووجود اسرائيل.. وظهر في واشنطن من يقولون إن دعوة عبدالناصر للقومية والوحدة العربية أخطر علي مصالح أمريكا في الشرق الأوسط من التغلغل الشيوعي والنفوذ السوفيتي!! وحاولت الولايات المتحدة دعم ومساندة المملكة السعودية لتقوم بقيادة العالم العربي بدلا من مصر بقيادة جمال عبدالناصر وسعت السياسة الامريكية إلي تقويض ما أسمته ب”هيمنة جمال عبدالناصر” علي العالم العربي. وتكشف الوثائق الامريكية أن سفارة الولايات المتحدة بالقاهرة تلقت برقية مهمة من الخارجية الامريكية في سبتمبر 1957 تقول.. إن مصر لديها تصميماً هائلاً علي حرمان الدول العربية من حرية الإختيار.. وتحاول دفع هذه الدول إلي الابتعاد عن فلك السياسة الامريكية.. واتباع سياسة الحياد الإيجابي.. رغم أن بعض هذه الدول تري أن مصالحها واستقلالها.. لا يتأكد إلا بالإنضمام لترتيبات الأمن الجماعي الامريكية المضادة للشيوعية. وقالت البرقية إن أمريكا ستقف بكل قوة ضد سياسة القومية العربية التي ينادي بها عبدالناصر.. لأنها تعدد المصالح الامريكية في العالم العربي. بين كيندي وعبدالناصر ومع ذلك حرص عبدالناصر علي إصلاح الخلل في علاقاته بواشنطن.. وانتهز فرصة تلقية لبرقية تهنئة عادية من الرئيس الامريكي الشاب جون كيندي.. ورد عليه ببرقية صداقة حارة كانت بداية لحوار سياسي عميق بين الزعيمين.. جمال عبدالناصر وجون كيندي إمتد عامين وعلي مدي 75 رسالة متبادلة بينهما.. وكانت هذ الرسائل من العوامل التي ساعدت علي عدم تدهور العلاقات بين مصر وأمريكا خلال فترة حكم كيندي.. خاصة وأن كيندي كان يشعر أن خطر عبدالناصر يمكن أن يتزايد ضد المصالح الامريكية إذا شعر أنه تحت الحصار.. ولكن تغير كل ذلك حين اغتيل كيندي فجأة. وتولي الرئاسة من بعده نائبه.. ليندون جونسون الذي كان يرتبط بعلاقات قوية قديمة مع إسرائيل ومع اللوبي الصهيوني في أمريكا وكان جونسون علي إقتناع تام بأن الرئيس الامريكي الاسبق أيزنهاور قد أخطأ حين أجبر إسرائيل علي الانسحاب من سيناء بعد حرب السويس 1956 وكان يردد باستمرار أن جمال عبدالناصر لا يفهم إلا لغة القوة كما ارتبط جونسون أيضا بعلاقات واسعة بشركات البترول الامريكية الكبري باعتباره كان نائبا بالكونجرس عن ولاية تكساس.. وكانت هذه الشركات الكبري تري في وجود جمال عبدالناصر في مصر خطراً كبيراً يهدد مصالحها البترولية الهائلة في الخليج العربي. حرب كور وبناء علي ذلك قام الرئيس الامريكي جونسون بتكليف روبرت كور.. رجل المخابرات المركزية الامريكية الرهيب باعداد خطة إستراتيجية لإضعاف عبدالناصر وإسقاطه.. من خلال توريط القوات المسلحة المصريةفي مستنقع عسكري طويل.. يستنزف قواها وينهك إقتصاد مصر. وكانت حرب اليمن هي نقطة البداية.. وأجاد روبرت كور هذه اللعبة تماما لدرجة أن زملاءه في المخابرات المركزية ومجلس الأمن القومي الأمريكي بعد ذلك أطلقوا علي حرب اليمن اسم “حرب كور”!! وتضاعفت ضغوط جونسون ضد عبدالناصر.. حين قرر وقف وتعليق شحنات القمح الامريكي لمصر.. بهدف إصابة الأقتصاد المصري بالإعياء. وفي أواخر ..1966 جري الإعداد لعملية أمريكية أخري ضد عبدالناصر في الظلام.. واكتشف جمال عبدالناصر الخطوط الأولية للمؤامرة حيث استقبل في القاهرة.. العدو القديم الذي تحول إلي صديق.. وهو يوجن بلاك رئيس البنك الدولي السابق.. الذي أبلغ عبدالناصر صراحة بأن كبار المسئولين في واشنطن يبحثون حاليا الخطط اللازمة لإطلاق يد إسرائيل للدخول في حرب ضد مصر.. الديك الرومي وتلقي الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل معلومات أبلغها لعبدالناصر كانت تقول: ان الولايات المتحدة شكلت لجنة تنسيق استراتيجي مع اسرائيل.. كانت تضم من الجانب الامريكي كل من والت روستو وجيمس إنجلتون من المخابرات المركزية وروبرت كومر وريتشارد هيلمز من الأمن القومي الامريكي.. ومن الجانب الإسرائيلي اشترك في اللجنة كل من موشي ديان وزير الدفاع “الديك الرومي” ومائير أميت رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد.. وقد تشكلت اللجنة منذ أوئل 1967 بهدف التخطيط لحرب ضد مصر تستهدف إسقاط جمال عبدالناصر.. وإقامة نظام بديل في مصر ينحاز للولايات المتحدة وللمصالح الامريكية في العالم العربي والشرق الأوسط.. وأطلقوا علي هذه الخطة اسم “خطة إصطياد الديك الرومي”!! وفي اليوم الأول لحرب يونيو 1967 بعث والت روستو بمذكرة للرئيس الامريكي جونسون يقول فيها “فيما يلي حصيلة اليوم الأول لضرب الديك الرومي جمال عبدالناصر!!” في ذلك الوقت.. إعتبر الأمريكيون ان توقيت الحرب والهجوم الإسرائيلي علي مصر مناسب تماما للأهداف الامريكية خاصة أن القيادة السوفيتية الجديدة في موسكو ثلاثي بريجينف وبرجورني وكوسيجين يركزون جهدهم علي الشئون الداخلية للاتحاد السوفيتي.. خاصة وأن الدول الحليفة لهم في أوروبا الشرقية كانت تطالبهم بوقف المساعدات العسكرية للدول غير الشيوعية مثل مصر.. ورأت امريكا في العدوان الإسرائيلي علي مصر وسوريا امراً جديداً من شأنه تشتيت انظار العالم بعيدا عن التصعيد العسكري الامريكي في حرب فيتنام!! المشير عامر وقراراته ومن المثير للدهشة ان المؤامرات والمخططات الامريكية الإسرائيلية جاءت في توقيت صعب كانت فيه القوات المسلحة المصرية غير مستعدة للحرب.. بسبب أعباء حرب اليمن.. وكان المشير عبدالحكيم عامر يدرك هذه الحقيقة جيدا.. كما كان علي وعي تام بالنوايا والمخططات الامريكية.. بل وجري تحذيره مسبقا من جانب جمال عبدالناصر.. لكنه قام بمقامرة عسكرية رهيبة وأصدر أوامره بحشد القوات المصرية في سيناء بصورة مفاجئة ردا علي تهديدات إسرائيلية فارغة ضد سوريا تصور عبدالحكيم عامر أنه يمكنه القيام بعملية استعراض عسكري في سيناء.. ولم يتصور مطلقا أن تتصاعد الأحداث سريعا وتصل إلي درجة الحرب والصراع المسلح وقد لجأ عبدالحكيم عامر للتصعيد العسكري في مواجهة إسرائيل في سيناء في إطار لعبة الصراع المكتوم علي السلطة مع عبدالناصر.. لدرجة أن البعض قال إن عبدالناصر كان عليه أن يواجه في 1967 مؤامرات أمريكا وإسرائيل ومؤامرة عبدالحكيم عامر وعصابة الضباط الملتفين حوله في الداخل!! تصاعدت حدة المواجهة بعد قيام المشير عبدالحكيم عامر بإغلاق خليج العقبة في وجه السفن الإسرائيلية المتجهة إلي ميناء إيلات الإسرائيلي في 14 مايو .1967 وفي 26 مايو إنعقد في واشنطن اجتماع مهم للغاية في مقر البنتاجون وزارة الدفاع الامريكية حضره أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل ووزير الدفاع الامريكي روبرت مكنمارا ورئيس الأركان الامريكية المشتركة ورئيس المخابرات المركزية الامريكية ال سي أي أيه وكان جدول أعمال الاجتماع يتكون من بند واحد فقط.. الترتيبات النهائية لخطة الحرب الإسرائيلية ضد مصر.. إتفق خبراء الإستراتيجية في هذا الاجتماع علي أن أي نصر عسكري إسرائيلي سريع يعتمد علي قدرة إسرائيل علي القيام بالضربة الاولي الكاسحة ضد القوات المصرية. كانت المؤامرة الامريكية كاملة الأركان.. سواء علي المستوي العسكري أو السياسي.. ومارست الولايات المتحدة أسوأ أنواع الخداع السياسي والدبلوماسي ضد عبدالناصر… حيث تلقي جمال عبدالناصر في اليوم التالي بهذا الاجتماع برقية من واشنطن تطالبه بألا يبدأ بالضربة الأولي ضد إسرائيل.. مقابل قيام الولايات المتحدة بالمساعدة الدبلوماسية للتوصل إلي تسوية سلمية بالتفاوض لأزمة إغلاق مضيق العقبة في وجه السفن الإسرائيلية. وتكشف الوثائق الإسرائيلية مؤخراً أن إسرائيل إندفعت للحرب ضد مصر في يونيو 1967 ليس بسبب إغلاق مضيق العقبة فقط ولكن بسبب الخوف الرهيب من قيام سلاح الطيران المصريس بضرب المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونه بصحراء النقب علي بعد 45 كيلو متراً فقط من الحدود المصرية!! وتلقت إسرائيل الضوء الامريكي الأخضر الأخير للهجوم علي مصر يوم 30 مايو 1967 خلال الزيارة السرية التي قام بها ماتيراميت رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي لواشنطن!! ويروي الدبلوماسي الامريكي الشهير وليام كوانت القصة الرهيبة لكواليس المؤامرة الامريكية ضد مصر في يونيو ..1967 ويقول إن الرئيس الامريكي جونسون حاول في البداية إقناع إسرائيل بألا تبدأ الحرب.. لكنه في نهاية مايو ..1967 أدرك أنه لا يمكنه إقناع إسرائيل بعدم بدء الحرب.. بدون أن تقوم البحرية الامريكية باقتحام خليج العقبة بالقوة والتدخل ضد القوات المصرية.. ولم يكن جونسون ليستطيع إصدار أوامره بذلك بدون موافقة الكونجرس.. ولذلك استسلم جونسون في النهاية لقرار إسرائيل بتوجيه ضربة وقائية ضد القوات المصرية سيئة الإنتشار في سيناء. تعهدات أمريكية زائفة وتضمن الجزء الثاني من المؤامرة بندا يؤكد ضرورة ألا تتعرض إسرائيل لضغوط أمريكية تفرض عليها الانسحاب من سيناء كما حدث في معركة السويس .1956 بعد الحرب أدرك عبدالناصر مدي الخديعة الدبلوماسية والعسكرية التي تعرض لها من جانب الولايات المتحدة.. حيث أنه تلقي تعهدات امريكية بألا تبدأ إسرائيل الحرب مطلقا.. مقابل ضمان ألا تبدأ مصر الحرب. وفي النهاية اكتشف عبدالناصر أن أمريكا شاركت في الحرب بقيام طائرات الإستطلاع الامريكية بالعمل لصالح إسرائيل وقيام سفن الاسطول السادس الامريكي في البحر المتوسط بالتشويش علي الرادارات المصرية علي شبكة الاتصالات المصرية. ..بعد ساعتين من فجر الخامس من يونيو 1967 قامت 195 طائرة وقاذفة إسرائيلية بهجوم جوي مفاجئ علي 17 مطاراً وقاعدة جوية مصرية… حيث جري تدمير 85% من طائرات سلاح الطيران المصري وهي جاثمة علي الأرض.. هاجمت إسرائيل ب95 طائرة أي ب95% مما لديها من طائرات.. وفقدت مصر 304 طائرة خلال غارتين جويتين من الساعة الثانية صباحا وحتي الحادسة عشرة والنصف ظهرا. وعلي مدي ستة أيام جري احتلال سيناء.. وخسرت مصر 11 ألف شهيد و700 دبابة و450 مدفع ميدان.. وقال الزعيم الفرنسي ديجول أن حرب يونيو ليست إلا حربا امريكية نفذتها إسرائيل وكما كانت الحرب مفاجئة والهزيمة قاسية.. كانت هناك مفاجآت سياسية كبري بعد الحرب.. حيث فوجئ العالم كله بالملايين من المصريين في شوارع القاهرة يطالبون جمال عبدالناصر بالتراجع عن قرار التنحي والبقاء في قمة القيادة لتحرير الأرض المحتلة. ومن البداية أدرك عبدالناصر أن أمريكا انحازت لإسرائيل تماما ضده وضد مصر.. وأنه اذا كان له أن يسترد الأرض المحتلة مرة أخري فلابد ان يقاتل.. ليستعيدها بالحرب كما خسرها بالحرب. وإتجه للسوفيت ليحصل علي السلاح من جديد ليعيد بناء القوات المسلحة بالهزيمة.. بعد أن تخلص من المشير عبدالحكيم عامر ورجاله.. وبالفعل حصلت مصرعلي نوعيات جديدة من الأسلحة الروسية مثل طائرات الميج 21 المعدلة وقاذفات تي يو 16 ودبابات تي ..62 وشبكة متكاملة للدفاع الجوي لم يكن لها نظير في العالم كله.. ضمت بطاريات صواريخ سام 2 و3 الثابتة وبطاريات صواريخ سام 6 المتحركة وهي مفاجأة حرب أكتوبر الكبري. بعد الهزيمة وقاد جمال عبدالناصر حرب استنزاف طويلة ومرهقة ضد القوات الإسرائيلية في سيناء علي مدي ثلاث سنوات.. حتي وفاته المفاجئة في 28 سبتمبر 1970 بسبب أزمة قلبية قاتلة!! أحدثت وفاة عبدالناصر المبكرة صدمة هائلة في مصر وفي جميع انحاء العالم العربي.. وخرج أكثر من سبعة ملايين من المصريين خلف جثمانه في موكب جنائزي مهيب امتد لعشرة كيلو مترات كاملة.. وقالوا إنها أكبر جنازة في التاريخ وكشفت الوفاة المفاجئة لعبدالناصر مدي ارتباط الشعب بالزعيم الأسطوري للأمة.. واتضح من البداية أن الفراغ الذي تركه عبدالناصر اكبر من أن يملأه أحد في القمة خاصة وأنه غادر الحياة بدون أن يحدد اسم خليفته. هكذا وقعت المقادير بالسيد أنور السادات عضو مجلس الثورة الوحيد الباقي بجوار عبدالناصر.. إلي قمة السلطة في وقت صعب بالنسبة لمصر والأزمة الوطنية التي كانت تعيش فيها بعد هزيمة يونيو. في ذلك الوقت شعر كبار ضباط القوات المسلحة بالقلق.. خاصة وأن التخطيط لحرب التحرير ضد القوات الإسرائيلية في سيناء كان قد وصل إلي نقطة اللاعودة تحت قيادة عبدالناصر.. وكان العد التنازلي لبدء الحرب خلال اسابيع معدودة قد بدء فعلا.. وتصور العسكريون أن السادات أضعف من أن يحارب.. وقد يتخلي عن خيار الحرب واسترداد الكرامة وأنه قد يتجه للسلام مع إسرائيل عبر قنوات اتصال سرية. كانت تقديرات المخابرات الامريكية تؤكد ان السادات قد لا يبقي في السلطة أكثر من ستة أسابيع.. وحاولت الولايات المتحدة ان تقدم له الدعم رغم ذلك.. في مواجهة “مراكز القوي” بقايا نظام عبدالناصر وتقول وثائق المخابرات الامريكية ان ضابط المخابرات الامريكي توماس تويثين هو الذي ابلغ الرئيس السادات بتسجيلات الإتصالات التي كانت تجري بين مراكز القوي في ذلك الوقت.. علي صبري وشعراوي جمعة وسامي شرف.. وكان الثلاثي يتآمرون للإطاحة بالسادات وتردد أن تويتين تلقي هذه المعلومات من عميل سوفيتي يعمل لصالح الامريكيين.. كما أن السفارة الامريكية بالقاهرة نجحت في إعتراض الاتصالات التليفونية بين المشاركين في مؤامرة الانقلاب علي السادات الذي نجح في الإطاحة بكل منافسيه علي السلطة بضربة واحدة في 15 مايو ..1971 بعد ذلك حاول السادات ان يتجنب اللجوء للحرب.. وسعي عبرالقنوات السرية للإتصال بالولايات المتحدة.. بل وحاول الاتصال لجولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل دون جدوي.. وحاول الإتصال مع هنري كيسنجر مستشار الرئيس الامريكي لشئون الأمن القومي.. لكنه ابلغ السادات بأن إسرائيل أقوي من ان تتعرض للهزيمة حتي لو دخلت في حرب مع كل جيرانها العرب.. كان كيسنجر يعلم بأن السادات يريد أن ينضم للمعسكر الامريكي لكنه كان يردد ان السادات يدرك حقيقة قوة امريكا.. لكنه لابد أن يتذوق طعم الحرب مع إسرائيل.. لأن قوة إسرائيل هي الحقيقة التي يجب أن يدركها. من هنا أدرك السادات ان كل الأبواب مغلقة أمامه لم يبق له سوي اللجوء للحرب.. تحت ضغط الداخل الوطني في مصر.. والخارج العالمي. وفي يوم 6 أكتوبر 1973 تمكنت القوات المسلحة المصرية من عبور قناة السويس في مشهد عسكري تاريخي ليس له نظير وخلال ساعات عبرت القوات المصرية للضفة الشرقية للقناة بأكثر من ألف دبابة ومائة ألف جندي بعد ضربة جوية كاسحة شاركت فيها 222 طائرة مقاتلة.. وفي يوم 8 أكتوبر ..1973 بكي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي خلف الخطوط الإسرائيلية في سيناء.. وهو يقول.. لا توجد دبابة واحدة تدافع عن تل أبيب!!