في مصر فتنة طائفية وهي أخطر من حكاية اللبن الملوث.. لأنها ستصيبكم في أنفسكم وأبنائكم وأموالكم وأرواحكم.. لو تجاهلتموها وسكتم عليها.
لقد غبت أسبوعا عن مصر كان العالم يتحدث فيه عن أحداث أسيوط وسوهاج والمنيا وبني سويف.. المدن التي بدأت تعرف لقارئ الصحف الأجنبية والإذاعات الخارجية كما اشتهرت أسماء مدن وقري في لبنان كانت راقدة في أحضان الجبال في سكون. أسماء صارت تلقي علي اسم مصر كلها صورة كريهة تخيف الناس وتقلق الصديق وتزعزع الثقة في هذا الوطن وتضع علامات الاستفهام علي مستقبله القريب.
إن الصحف القومية والإعلام الرسمي تجاهلت هذه الأحداث تماما وهذا عود إلي أيام ذكر مثل تلك الأحداث باسم “حركي” غامض. مصغر هو “الأحداث المؤسفة” حتي تضخمت وأرغمتنا علي الاعتراف بها بعد ان تصاعدت ألسنة النار إلي السماء.
انه حتي في صحف المعارضة التي توسعت في النشر والتصوير وأرسلت المحررين إلي مواقع الأحداث ساد استعمال عبارات “عناصر مدسوسة” و”أيد أجنبية” و”أطفال بين سن 14 و17 سنة” أي ان الكل بريء ولا أحد مسئول ونحن جميعا ملائكة. أيضا لاننا لا نريد ان نقوم بشجاعة بنقد الذات وبتحديد المسئوليات “وهي عديدة وسوف نأتي علي ذكرها بعد حين” ولا نفهم ان حكاية “الأطفال بين 14 و17 سنة” من أخطر ما يكون فالأطفال لا ينطلقون من فراغ ولكن من “جو” ومن “بيئة” ومما يسمعونه من “الكبار” مستصغر من شأن الأمر وقد وصل إلي إحراق مساجد وكنائس تجاوزت منذ مائتي سنة كما ورد في وصف احدي الحالات.
ان الساحة كانت خالية إلا من قوات الشرطة فلم اقرأ عن أي قيادة رسمية ولا سياسية ولا دينية تحركت من العاصمة تواجه جذور المشكلات لا نتائجها.
ولم أكن غريبا بالطبع عن هذا الأمر الخطير قبل ذلك فقد كنت أتابع باهتمام ما يرويه الزملاء والصحفيون الأجانب والأهل عن شائعات القماش الذي يظهر الماء عليه رسم الصليب والكف التي إذا صافحتك طبعت علي يدك رسم الصليب وكنت أرتعد لسريان هذه الخرافات وما يترتب عليها من “حقائق” نفسية وعقلية ومادية مرعبة. ولكن الأمر تفاقم ولابد من الكلام.
نأتي إلي الأحداث الأخيرة بالذات وكيف بدأت: روت جريدة “الوفد” ان موظفة في كلية الآداب بجامعة بني سويف تقدمت إلي عميد الكلية بقماش هو غطاء رأسها وعندما غسلته ظهرت عليه علامات الصليب.
وقالت انها اشترته من محل في بورسعيد.. ونشر الاستاذ عادل حسين رئيس تحرير “الشعب” شائعة “رش مادة كيماوية تطبع صلبانا علي ثياب النساء المسلمات” وروي الاستاذ محمد عامر رئيس تحرير جريدة “الأحرار” ما يتردد من ان هناك مصنعا في المحلة الكبري ينتج هذا القماش.
إن الواجب البديهي الأول هنا هو المتابعة الدقيقة وقطع الشك باليقين وبسرعة وفي علانية.. هل حقق عميد كلية الآداب الموضوع؟ هل تأكد من جدية وجود هذا النوع من القماش؟ هل أحال هذه الموظفة وقماشها للتحقيق والبحث والتحري؟ هل طلب من الشرطة أو المباحث أو النيابة العامة ان تذهب إلي المحل الذي قالت الموظفة انها اشترت منه هذا القماش علي فرض وجوده في بورسعيد؟ هل سئل التاجر المستورد له من أتي به؟ هل سمعت الشرطة والنيابة أقوال من تعرضن لإلقاء المادة الكيميائية علي ثيابهن؟
هل ذهبت حملة إلي المحلة الكبري تبحث عن المصنع؟
لم اقرأ أي شيء يدل علي تعقب موضوع بهذه الخطورة حتي منبعه وتركت الحكايات معلقة في الهواء!
هل هي وهم؟ هل هي حقيقة؟
ما دامت السلطات ظلت أسابيع طويلة لا تعرف حكايات الصلبان التي تظهر علي الأقمشة وتكبر كلما غسل القماش ولا للتصدي للشائعة ولا للعثور علي قطعة قماش واحدة وتتعقب مصدرها وتعلن الأمر علي الملأ.. فإن علينا ان نفترض ان ثمة أشياء عديدة وخطيرة أخري لا نعرفها.
هذه حقائق أليمة ومريرة وقد جري العمل علي انه لا يجوز نشرها علنا ولكنني أؤمن بالمجتمع المفتوح وان طرح المشكلة مهما كانت جارحة ومناقشتها علنا هو السبيل الوحيد لحلها وان تجاهلها يؤدي إلي تراكمها حتي تصل إلي الانفجار.
ربنا موجود