عندما التقيت رجب طيب أردوغان عام 1994 في مكتبه أثناء رئاسته بلدية اسطنبول. لم أشعر لحظة واحدة علي مدار ساعة بأنه يمكن أن يؤسس حزبا يتحول إلي حلم أو عشق لكثيرين من العرب ومنهم المصريون.
لم يدر في مخيلتي ابدا في ذلك الوقت انه سيصبح نجم تركيا وقائد نهضتها. وان حزبه سيحكم ثلاث مرات علي التوالي بفوزه في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
لقد كان تدينه واضحا. ظهر في كلامه واستدلالاته. وفي سجادة الصلاة التي استغربتها في مكتب رئيس بلدية مهمة في دولة متطرفة للغاية في علمانيتها.
أردوغان ذو الجذور الاخوانية والذي اشتهر في صباه بالشيخ رجب. هو نجم العرب خصوصا الاسلاميين التواقين للسلطة. والنموذج الحلم في مصر وبقية الدول العربية التي اجتاحها ربيع الثورات.
مثلما ينتظر عرب كثيرون امام شاشات الفضائيات المسلسل التركي “العشق الممنوع” انتظروا ايضا إلي وقت متأخر ليلة الأحد 12 يونيو الجاري نتائج حزبه “العدالة والتنمية”.
نجيب ساويرس قال في احدي المقابلات التليفزيونية انه هتف من أعماق نفسه “هذا هو الاسلام الذي نريده في مصر” عندما زار تركيا ورأي ما صارت اليه علي يد حزب تصفه المعارضة بانه اسلامي ومتزمت ويتحين الفرص للاجهاز علي العلمانية. رغم انه لم يقترب منها خلال فترتي حكمه السابقتين منذ عام .2002
أغلبية الثلثين “367 مقعداً” تؤهل حزب العدالة والتنمية لوضع الدستور الجديد بمفرده. لكنه لم يحصل علي ذلك العدد. فقد حصل علي 50% تقريبا. رغم شعبيته الجارفة وانجازاته الاقتصادية والسياسية الرائعة.
والسبب ان الشعب الذي يحبه لا يريد ان يمنحه وحده هذا الاستحواذ. فالدستور قضية مصيرية يجب خضوعها للتوافق والتوازن البرلماني. وأيضا لأن الأحزاب المتنافسة لجأت إلي التحالفات ولم تجلس صارخة مستغيثة كما يفعل كثير من القوي السياسية في مصر مطالبة بالدستور أولا. وهي في الواقع تبغي الاقصاء لتيار لا تريده وتكره أن تسمع سيرته!
ما يجري في تركيا حول الدستور الجديد صالح تماما للاستنساخ في مصر.. التحالفات بين القوي المختلفة هو الحل لمنع استحواذ فصيل معين.
يحتاج أردوغان الآن إلي توافق الأحزاب الأخري علي الدستور الجديد. ومن ثم يشكل البرلمان لجنة لوضعه في ظل اطار عام لا يمس النظام العلماني للدولة باعتباره “فوق الدستور”. وبالفعل لم تقترب منه المسودة التي أعدها حزب العدالة والتنمية أثناء فترة حكمه السابقة.
في مصر ايضا يتفق الجميع علي عدم المساس بالدولة المدنية. المصطلح الذي يفضله البعض علي “العلمانية” باعتبار الأشخير لفظا مكروها. مع انه لا فرق بين الاثنين. فكلاهما قائم علي المساواة في المواطنة وفي الدين وفي العرق والطائفة. وكلاهما مرجعيته دستور وضعي يتم اسقاطه علي واقع الناس وزمانهم ومكانهم واحتياجاتهم.
ويمكن صياغة نص رسمي بهذا الاتفاق يطمئن الخائفين. وأعتقد ان التيار الاسلامي. من خلال الاخوان والاحزاب السلفية. لن يمانع. ما دام لا يتعرض للمادة المثيرة للجدل الخاصة بهوية الدولة والشريعة الاسلامية كمصدر رئيسي للتشريع.
وحتي هذه المادة يمكن ان يتضمن النص الاحتكام فيها للاستفتاء الشعبي العام اذا ظلت مثارا لاعتراض البعض سواء بشكلها الحالي أو أدخل إليها أي تعديل وهذا ما سيحدث في تركيا عند وضع الدستور الجديد. اذ ستحال المواد محل الخلاف إلي الاستفتاء.
حزب أردوغان يريد استبدال الجمهورية الرئاسية علي النموذج الفرنسي بالجمهورية البرلمانية الحالية.. وفي مصر أصوات تطالب بجمهورية برلمانية.
لكل منهما مزاياه وعيوبه وأبرز عيوب النظام البرلماني عدم استقرار الحكومة فهي معرضة للسقوط في حالة حصولها علي أغلبية غير مريحة وتشكيل ائتلاف من الاحزاب المعارضة في البرلمان لنزع الثقة منها. بالاضافة إلي أن الحكومات الائتلافية في العادة ضعيفة وغير فعالة لاستنادها إلي مرجعيات متعددة.