عجيب أمر ماسبيرو فمنذ أن قامت الثورة والمبني يغلي تتابعت عليه القيادات وتوالت علي كراسيه في ثمانية شهور كل ألوان الطيف الإعلامي وبقي مشتعلاً علي حاله كجمرة نار في وسط القاهرة.
ورغم أن الشارع المصري قد حكم علي التليفزيون الوطني منذ زمن بعيد بالطرد من خارطة اهتماماته اليومية والإقصاء من ذاكرة الريموت كنترول التي حفظت عن ظهر قلب قنوات الجزيرة والعربية والحياة وغيرها إلا أن سكان المبني العتيق أصروا علي الإمساك بلحظة الثورة والتعلق فيها لعلهم يلحقون بركب الوطن الذي يسير نحو الحرية ويجدون لأنفسهم مكاناً تحت الشمس.
وأزمة ماسبيرو شديدة التعقيد فالجهاز الإعلامي الضخم إلي درجة الترهل والمتخم ب 40 ألف عامل وجد نفسه فجأة علي المحك ومتورط في منافسة شرسة لا قبل له بها فأصبح كفتاة حافية تسابق حصاناً جامحاً.. فالملايين التي أنفقت علي تليفزيوننا الوطني في أزمنة الريادة والتطوير كلها ذهبت لجيوب العمالة التي استوردها المبني من الخارج والأجهزة التي استأجرها والبرامج التي اشتراها من الغير فكان التيلفزيون كمن استسهل أن يشتري سمكاً بكل ماله بدلاً من أن يبتاع سنارة يصطاد بها ما يريد وللأسف الشديد نفد المال والسمك وبقي ماسبيرو فقيراً متخلفاً تقنياً عاجزاً حتي عن تقديم صورة متميزة بغض النظر عن المضمون.. وازدادت الإشكالية تعقيداً بعد الثورة فالعاملون بالمبني يبحثون عن حقوقهم المهدرة كباقي الفئات والشارع ينتظر إعلاماً قوياً والتليفزيون مفلس وخاسر في آخر موازنة للدولة 11 مليار جنيه.. المسألة إذاً تحتاج لساحر كي يحلها ويفك طلاسمها.. وما بين إلغاء الوزارة ثم عودتها تضاربت القرارات فمن اللواء طارق المهدي للدكتور سامي الشريف نهاية بالوزير هيكل تناثرت اللجان وتعددت التغييرات وتبدلت الوجوه وبقيت المحصلة النهائية صفراً كبيراً بمساحة وطن يبحث عن نفسه علي شاشة يمولها من قوت الفقراء.. ولا أدري من أين أتي الوزير ومن سبقوه بقناعة أن لجان شيوخ الإعلام ستخلق نجاحاً من أن هؤلاء الشيوخ الذين يتم اختيارهم كل مرة هم أنفسهم من رؤساء القنوات والقطاعات السابقين الذين فشلوا في تقديم إعلام قوي ينافس الجزيرة وأخواتها.. لا أدري من أين أتي الوزير بقناعة أن إيقاف مذيعة أو تغيير فقرة في برنامج سيقلب الشاشة رأساً علي عقب.. من العار أن نتعاطي هذا الوهم ثانية ونكفر بقدرة الدماء الجديدة علي صناعة الغد ونحن نعيش في كنف ثورة خلقها الشباب.. من العار أن نضع القواعد الواحدة تلو الأخري ثم نكسرها بعصا المجاملات فنقول لا تعيينات بماسبيرو بعد اليوم ثم نفاجأ بتعيين مذيعة في قناة رئيسية.. نتعهد بالحياد ثم ننحاز ونتباهي بأننا أخطأنا دون قصد ولم نكن من المحرضين.. نضع علي وجوهنا كل ساحيق الشفافية ثم نعلن عن مقترح لائحة مالية جديدة للتليفزيون الذي يغلي ولا نضمنها أجور رؤساء القنوات والقطاعات ونوابهم بل ورئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون وكأن هؤلاء سيتقاضون أجورهم من مكان آخر أو أنهم فوق قوانين التقشف مع أن السبب الرئيسي في سوء مستوي أي عمل يرجع لقيادة لم تحسن اختيار أدواتها أو توظيفهم.. من العار يا وزير الإعلام القادم من رحم الصحافة المعارضة أن تقبل باستثناء فئة من مقترح لائحة الأجور وأنت تحمل قبل وزير إعلام الثورة.. خاصة أن اللائحة لم ترض طموحات العاملين الذين ظنوا بك الانحياز لنفس الفئات التي طالما تقاضت مئات الآلاف من الإشراف علي برامج فاشلة لم يكونوا هم أنفسهم يعرفون عنها شيئاً.
المقترح يا سيادة الوزير يحتاج إعادة نظر وتنقصه الكثير من الشفافية والعدالة.. وللحديث بقية.