التطرف ظاهرة عالمية لا تقتصر علي بعض المنتمين للتيار الإسلامي في مهرجان جايبور الأدبي بالهند منذ أيام تعرض المنظمون للمؤتمر الذي أقيم في فناء قصر ديجي بمنطقة جايبور للتهديد بعد حضور أعداد تجاوزت المئات من الإسلاميين هددت بتحويل المكان إلي مجزرة إذا مضي المنظمون في طريقهم لاستضافة الكاتب الهندي البريطاني المثير للجدل سلمان رشدي والذي كانت صدرت بحقه فتوي إهدار الدم الإيرانية الشهيرة في القرن الماضي واستمرت لسنوات حتي تم “رفعها”
واجه المنظمون مشكلة أخلاقية تتعلق بضميرهم الثقافي ومسئوليتهم الاجتماعية عن حياة ألوف الأطفال والعائلات والمسنين من الحضور في المهرجان حين وجهت الجماعات الدينية الهندية الإسلامية تهديدها الصريح وستكون بحورا من الدم إذا ظهر رشدي عبر الفيديو وان كل من يموت من الإسلاميين في ذلك اليوم سيكون “شهيدا”
كان رشدي قد حضر نفس المؤتمر في عام 2007 كنجم ورغم انه أتي بدون حراسة وتكلم بحرية في ضوء عدم الإعلان عن الزيارة وقام بتوقيع عدد من كتبه لكن نفس الجموع لم تتحمل صورته علي الشاشة في المؤتمر هذه المرة لعدد من الأسباب فقد سبق تورط شرطة ولاية راجستان حيث مدينة جايبور الشهيرة في إطلاق النار وقتل عشرة من المواطنين المسلمين الغاضبين في مظاهرة.
ضعف تأييد السياسيين الهنود تدريجيا للفنانين والأدباء فيما يخص حرية التعبير فقد تمت مصادرة كتاب جوزيف ليفلد عن غاندي في ولاية جوجارات وتم حذف دراسة أكي رامانوجان عن الرامايانا “ملحمة الأبطال الهندية المقدسة” من المنهج الدراسي لجامعة نيودلهي ومات الفنان التشكيلي الهندي المسلم إم.أف حسين أحد اشهر التشكيليين الهنودفي المنفي بعدما هاجمه وهاجم عمله العديد من المتطرفين الهندوس. وفي كل تلك الأحوال لم يفعل السياسيون شيئا وتمسكوا بالقوانين البائدة لعصور الاستعمار البريطاني في مواجهة المتطرفين دينيا سواء أكانوا مسلمين أم هندوسا.
لم يضطر منظموا المؤتمر الذين واجهتهم الشرطة بورود تقرير استخباراتي عن توقعات بتفجير المكان حال إذاعة حديث رشدي -لم يضطروا لاتخاذ القرار الصعب: إما الانتصار لقيمة حرية التعبير أو المخاطرة بحياة ألوف الحاضرين في المؤتمر. لأن صاحب القصر حيث يعقد المؤتمر صعد علي المنصة واتخذ القرار بإلغاء الفقرة بالنيابة عنهم واضطروا للاعتذار لرشدي في لندن بعدما عرف بنية “تصفيته”. لم يفشل المؤتمر بل عبر الأدباء فيه عن تضامنهم مع رشدي ووزعوا بيانا يطالب “بحق كل الفنانين والأدباء في حرية التعبير “كما ناشدوا الحكومة إعادة التفكير في الحظر المفروض علي رواية رشدي الشهيرة التي تسببت في الفتوي الايرانية ضده ذات وقت وهي الرواية الجارحة والصادمة لمشاعر كثير من المسلمين “آيات شيطانية”.
برغم أن الرواية التي قرأتها من الصعب تحملها إلا أنني أذكر أنني كتبت وقتها ضد الفتوي والدعوة للرد علي العمل بكتاب أو عمل آخر.
والسؤال الذي سنجد أنفسنا في مواجهته قريبا هو ماذا يمكن أن تقدم جبهة الإبداع المصري المشكلة مؤخرا والتي انعقد مؤتمرها الأول بنقابة الصحفيين وأصدرت بيانا وقعه ألوف المثقفين والفنانين بعدما أدوا قسمها ومشوا في مسيرتها لتقديم توصياتها لمجلس الشعب في أولي جلساته يوم 23 يناير الماضي؟. ننتظر تفعيل الجبهة لتوصياتها وللقسم الذي أديناه.
متي تبدأ المواجهة الحقيقية للدفاع عن الفن وحرية التعبير الصحفي والإبداعي والفكري بلا تدخل أو رقابة باسم الدين عدا ما يرتضيه المبدع بعقله وروحه وتطبيق انتمائه لقيم مجتمعه أو الثورة عليها؟
السؤال مطروح بإلحاح بعد قيام حزب النور السلفي بمطالبة الفنانين عزيز الشافعي ورامي جمال بتقديم أغنيتهما “يا بلادي” تلحين بليغ حمدي كما تقول الكاتبة عبلة الرويني ولكن بشرط أن تكون دون موسيقي وبعد تغيير بعض الكلمات وهو ما رفضه مؤلف الأغنية والمطرب .أم أن المواجهة بدأت والمبدعون يتجاهلونها؟