لا تزال وزارة الثقافة حتي اليوم بعيدة عن ساحة المحاكمات السياسية التي طالت كل الوزارات الأخري منذ 25 يناير ..2011 ولم يفتح أحد ملف “محرقة بني سويف” التي راح ضحيتها نخبة من المثقفين ونقاد المسرح كما لم يتوصل أحد إلي سارق “لوحة الخشخاش” من أهم متحف لفنون كبار نجوم القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في أوروبا.. أيضا لم يثر أحد قضية الملايين الستة التي أنفقت علي الدعاية لوزير الثقافة في عصر مبارك المخلوع للوصول إلي منصب سكرتير هيئة اليونسكو وضاعت علي مصر ولم يكسب منها إلا ارتفاع أسعار لوحات فاروق حسني أما قضايا الآثار المصرية القديمة التي خرجت ولم تعد فقد توقف الحديث عنها بانتقال زاهي حواس إلي منصب وزير سابق.
العالمون ببواطن الأمور يؤكدون ان وزير مبارك للثقافة قد استعد للأيام التي نعيشها الآن بوضع مقعد لتشكيلات وزارته يستعصي علي أي وزير بعده السير في أدغالها وقد ورث الوزارة خمسة وزراء ثقافة لم يعمر أي منهم أكثر من شهرين.
النموذج الذي يوضح التعمد في تهميش القضايا وإلقائها علي أحد الموظفين الصغار من قضية سرقة لوحة أزهار الخشخاش التي رسمها الفنان فان جوخ في أواخر القرن التاسع عشر وقدر قطاع الفنون التشكيلية بالوزارة عام 1993 ثمنها بمبلغ “50 مليون دولار أمريكي” وقد تعمد القطاع عدم نشر أي توثيق للوحات متحف محمد محمود خليل الذي كان تعرض فيه هذه اللوحة مما يجعل البحث عنها أو غيرها من لوحات المتحف التي يمكن ان تسرق مستقبلا مسألة صعبة بل متعذرة.
وكان الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة عام 1962 قد أصدر كتالوج غير ملون لبعض لوحات المتحف وتماثيله نفد خلال بضع سنو ات وأصبح المتحف بلا كتالوج فقام رئيس القطاع د.أحمد نوار بتشكيل لجان لتوثيق متاحف الوزارة ومن ضمنها لجنة لتوثيق متحف محمد محمود خليل وحرمه مع إعداد كتالوج شامل لمعروضات المتحف كان من بين أعضائها ناقد الفنون الجميلة الدكتور صبحي الشاروني مع خبير الفن العالمي الدكتور مينا صاروفيم وقدما تصميما كاملا لكتالوج للمتحف عام 1994 ليكون معدا للتوزيع عند إعادة افتتاح المتحف بعد عودته إلي مقره الأصلي الحالي بشارع الجيزة بعد غربته عدة سنوات خلال حكم الرئيس أنور السادات الذي استخدم مبني المتحف قصرا للرئاسة لكن الكتالوج الذي وضعه الخبراء لم يطبع ووضع في الأدراج 18 عاما حتي قامت الدار المصرية اللبنانية أخيرا بطباعته بدلا من وزارة الثقافة التي تجاهلته طوال عهد وزير ثقافة مبارك.
هذا الكتالوج الذي صدر مؤخرا باللغتين العربية والإنجليزية عبارة عن كتاب فاخر بالحجم الكبير “224 صفحة” بالألوان ويتضمن مقدمة وافية عن المتحف والأحداث التي تعرض لها ومن بينها سرقة لوحة أزهار الخشخاش للفنان فان جوخ التي يرجح انها سرقت خلال عرضها في ميلانو بإيطاليا عند سفرها بدون قرار رئيس الوزراء وهذا وحده يمثل مخالفة قانونية كانت تتطلب التحقيق أما اللوحة المسروقة فهي لوحة مزيفة سرقت لإخفاء سرقة اللوحة الأصلية في إيطاليا ومن أغرب الأحداث التي تثبت وجود سوء نية لدي وزارة الثقافة ان جريدة “المساء” طالبت عدة مرات بتحليل النسيج الذي تبقي مع إطار اللوحة بعد السرقة من المتحف لتحديد إذا كانت اللوحة المسروقة هي الأصلية إذا كان النسيج عمره أكثر من مائة عام أو اللوحة المسروقة مزيفة إذا أظهر الفحص النسيج حديث هذا المطلب البسيط تم تجاهله لتسهيل هروب السارق بغنيمته.
المهم ان الكتاب الفاخر الحديث عن المتحف ومحتوياته يغلق الأبواب أمام أي مغالطات أو محاولات للتلاعب بمقتنياته في المستقبل.. وهو السبب الحقيقي وراء إهمال طبع هذا الكتالوج أو الكتاب الشامل طوال 18 عاما.
اول من وضع كتاب وثائقي لمتحف محمود خليل هو الفنان واستاذ تاريخ الفن محمد صدقي الجباخنجي . مع وافر الشكر