قصه قصيرة بعنوان: أرواحا عالقة

لم يكن هذا هو احد الأيام العادية أو أول شتاء انتظره فيه عند النافذة والشوق يملاني ولكنه كان أخر شتاء أو الشتاء المميز لي وله. بدأت أحداث هذه القصة الغريبة في إحدى ليالي الشتاء العاصفة منذ أربعه سنوات عندها كانت الإمطار تتساقط بغزاره على زجاج نافذتي وايقظنى صوت الرعد و الهواء فتح النافذة فقمت مسرعتا لإغلاقها والخوف يرعش اطرافى رعبا فالغرفة كانت مظلمة وصوت الهواء وحده يكفى ليمنعني من التحرك من مكاني الأ أنى تغلبت على خوفي و تحركت و أغلقت النافذة .وأذا بى أرى شيئا غريبا وكأنه وجه احدهما في النافذة فظننت إن أحدا ورائي فألتفت ولكنى لم أجد أحدا فعاودت النظر مره أخرى لأجد إن ما رأيته كان في زجاج نافذة المنزل المجاور والذي تطل نافذته على نافذتي . رأيت ذلك الشاب الذي كان ينظر لي مباشره وكم كان وجه شاحبا وأخذت أتعجب من هذا الشاب وتسألت أليس هذا المنزل مهجورا منذ رحيل أصحابه عندما توفى احدهما فمن الممكن إن يكون سكنه احدهما وانا لم اعلم . و بعيدا عن كل تسأولاتى أخذت أمعن النظر إليه ونسيت خوفي من الإمطار وصوت الرعد فكم كان ساحرا ذلك الوجه رغم شحوبه والحزن الكامن في أعماق عينه .ووجدتني ابتسم له دون إن أدرى والغريب انه بادلني نفس الابتسامة وكم كانت رائعة لا استطيع نسيانها حتى الآن. وظللت انظر إليه وانا جالسه إمام النافذة حتى تسلل النوم إلى عيني وذاب كل شيى من امامى وذهبت في النوم. وعندما استيقظت في الصباح على أصوات العصافير التي جاءت عندي نافذتي والضوء الذي اخذ يداعب جفوني حتى استيقظت. وحينها لم أتوانى عن الذهاب إلى المنزل المجاور لأتعرف عليه ولكنى صعقت عندما وجدت باب المنزل مفتوحا والمنزل فارغ ولا أثاث به فمن هذا أذا ؟.. وراحت الاسئله تملأ تفكيري ..فهل هذا شبحا ولما لايكون أن كان هذا المنزل كما يقولون مسكون ..
وفى المساء وجدتني انتظره عند النافذة وكأن خوفي ذاب في لحظتها وكان كل ما أريده أن أراه مره أخرى لكنه لم يظهر في ذلك اليوم..وظللت انتظره كل ليله دون أن اسأل نفسي لما افعل هذا ولكنى أحسست أنى أريد فقط رويأه وصار ذلك اللقاء هو أملى كل ليله وكل مساء .وفى احد الأيام وانا أمر من أمام النافذة لأضيئ نور الغرفة ولم اعر انتباهي إلى النافذة فقد بدأ يتلاشى أملى في رويأه مره أخرى فإذا بى أراه بالفعل فتوقفت إمام النافذة وراحت دقات قلبي تتلاحق وانفاسى تتسابق .ها هو مره أخرى ولكنه هذه المرة كانت الدموع تغرق عينه فنظرت إليه جيدا وهو أيضا نظر لي وأحسست أنى بالفعل لا اشعر بما حولي وكل ما يهمنى هو النظر إليه فقط وكأني أحاول حفظ صورته قبل أن يغيب مره أخرى ويتركني .
وسألتني نفسي هل هو ساحرا لهذه الدرجة ليشعرني بكم هذه السعادة وينسيني خوفي ؟ فلم أجد أجابه لها غير أنى لا اعرف ولكنه اختطفني من أول ما رأيته وابعدنى عن عالما بت أخاف فيه أكثر من أن أتنفس . وعندما قمت لأضاه الحجرة حتى أراه بوضوح وعودت مره أخرى ولكنى لم أجده فتعجبت هل ذهب أم انه لا يحب الأضواء فأغلقت الضوء ولكنه لم يظهر مره أخرى .فكم كنت حمقاء حتى أضايقه بالضوء ومنذ متى نرى الأشباح في الضوء.فكيف افسد اللقاء الذي انتظرته أيام وكأن صار عندي رؤيته الأشباح شيئا عاديا حتى أظن أننا لا نراهم في الضوء فعجبا منى هل صارت الخرافات في حياتي حقائق وهل هيامي بهذا الشبح افقدني صوابي لهذه الدرجة ؟..
وهكذا مر الشتاء ما بين شهرا انتظر و لحظات أراه وكانت تلك الليالي التي لا يظهر بها أصعب ليالي تمر على وكأن عقارب الساعة لا تتحرك والوقت يمر دهرا..ولكنى تأكدت في هذه الأيام أنى بالفعل قد زاد جنوني لأقع في حب شبحا لا أخذه منه غير نظره تنسيني الدنيا وما فيها. وعندما بدأ الخريف في إسقاط أوراقه لاحظت انه لم يعد يظهر مره أخرى وان مرات غيابه أصبحت شهورا وظللت انتظره حتى الشتاء الذي يليه وظننت انه لا يظهر إلا في الشتاء..وعندما تساقطت أول حبات مطر طار قلبي فرحا فقد أتى الشتاء لأراه وكأن المطر سقط على قلبي فأحياه.وظللت كل ليله انتظره ولكنه لم يكن يظهر إلا في الليالي العاصفة المطيرة وكأنه لا يريد أن اشعر بالخوف بمفردي فكنت أنسى خوفي بمجرد روياه .وكان من الممكن إن اذهب إلى منزله عندما يظهر ولكنى كنت أخاف إن اخسر فرصتي في روياه و لكنى تجرأت أخيرا وذهبت إلى منزله وكنت أظن أنى هكذا سأراه كل يوم ولكنه هذا لم يحدث وكأنه لا يريدني أن أراه إلا في النافذة فعدت إلى شقتي وارتضيت أن انظر إليه فقط بالرغم أنى كنت أتوق لأتحدث معه.وظللت هكذا انتظره كل شتاء حتى انظر إليه فقط وتظل صورته عالقة في ذهني طوال هذه الأربع سنوات في رؤيته وفى غيابه.ولكن هذا الشتاء كان غربيا بالفعل لأني رايته ولكن لم يكن زجاج النافذة بل كان امامى في غرفتي ولم يصعقني وجوده قدر ما اصعقني رد فعله عندما وقعت عيناه على .فقد افزع منى ونظر لي متعجبا وكأنه نظر إلى شبحا أو رأى قتيلا ولم أكن اعلم انه بالفعل رأى قتيل.واستمرت هذه اللحظة بضعه دقائق وهو صامتا حتى أفاقته كلماتي هل أنت حقا من أظن؟ وجاءت إجابته لتصدمني هل انتى هنا حقا أم هذا خيال؟ .
فتعجبت فمن فينا يتعجب من وجود الأخر وعاود الحديث مره أخرى الم تموتي ؟ ولم انتبه في هذه اللحظة لكلماته.
وحاولت لمسه لأتأكد انه ليس شبحا وفى هذه اللحظة عرفت سبب هذا الذهول وعرفت أنى انا الشبح وأنى لست الأ هذا الفرد من العائلة الذي مات منذ خمسه سنوات وانه هو الشخص الحي الذي كان ينتظر ظهوري كل شتاء حتى يرأنى .وكأن الحقائق بدت في الظهور امامى عيني وكأني استعدت ذاكرتي التي كنت فقدتها. وفى هذه اللحظة عرفت لما كان احساسى عند رؤيته أنى في عالما غريب فهو بالفعل ليس من عالمي .وبدأت اشعركأنى أذوب وأتلاشى فقد حان موعد عودتي إلى مكاني الصحيح في السماء وحان وقت رحيلي .فالسبب الوحيد في بقائي كان لأني لا اعرف أنى بالفعل قد رحلت منذ سنوات.فهناك أروحا تظل عالقة بين الحياة والموت لأسبابا لسنا نعرفها ولكنها دوما تحاول أن تساعدنا على ألا نكرر أخطأها .فوجودي كان من اجل هذا الشاب الذي كان يعانى من الوحدة دائما مثلى في حياتي وكان يشعر أن لا أحدا يهتم لأمره .وكأني أردته الأ يصل إلى نفس مصيري وينهى حياته بيده . لذا فقد ظلت روحي هنا حتى يشعر بوجود من يهتم لأمره شيئا يجعله يتمسك بالحياة.وبعد لحظات رأيت تلك الفتاه تدخل الغرفة وتسأله من أنت؟ فأنا اعرفها أنها اختى . وتبادلا الحديث وانا أشاهدهم فقط ورأيت تلك النظرة في عينه التي عرفت منها لما حان الآن رحيلي فقد حان موعد أن يلتقي بمن ستحبه بالفعل وليست شبحا مثلى ولهذا بات وجودي لا فائدة منه .فهي ستستطيع إسعاده بالفعل وعندما التفت لي بدأت صورتي تتلاشى من أمامه بالفعل ولم يعد يسمع غير صوتها وهى تناديه ليخرجا من هذا المنزل المهجور. فذهب معها خارج المنزل ولكنه لم ينسى أن يغلق خلفه تلك النافذة التي كانت تربطني بالحياة.

بقلم/هناء احمد المغازى

أضف تعليقاً